تحقيقات وتقارير

العاملات في رمضان موسم لكنز الأموال.. للإستغلال أكثر من جهة

 

  • هواجس الخادمات

قضية البحث عن العاملات في المنازل أصبحت ظاهرة مع اقتراب شهر رمضان المعظم مما دفع العاملات للمغالاة في أجورهن لارتفاع حجم الطلب عليهن في هذا الشهر ، بعد أن كان العمل محصوراً في منازل الأسر المقتدرة وأصبح متاحاً حتى لدى الأسر متوسطة الحال بسبب هروب الكثير من ربات البيوت من العمل المنزلي في رمضان لمبررات بعضها غير موضوعية ، الأمر الذي دفع العاملات لاستغلال حاجة ربات المنازل لهن لكنز المال ، ورغم تردي الأوضاع الاقتصادية التي هزت القدرة المالية للكثير من الأسر إلا أن الظاهرة ما زالت في انتعاش وتشير الإحصائيات إلى أن 40% من العاملات يرفضن العمل في المنازل بذات المبلغ الذي تم الاتفاق عليه ويهربن إلى مكاتب سماسرة الخادمات لزيادة الأجر اليومي والشهري الذي أصبح خرافياً.. (الأخبار) نقبت في هذه القضية وحصلت على تفاصيل مثيرة..

 

  • فوضى الخادمات

للوقوف على قضية مغالاة العاملات في المنازل في أجورهن واستجابة الأسر المقتدرة لذلك التقت الصحيفة بعدد من السيدات لمعرفة الدوافع الحقيقية والحاجة الفعلية التي تجبرهن على استقدام عاملة بهذه الأسعار الخرافية للخادمات حيث ابتدرت المهندسة وسام النور حديثها قائلة إن أزمة وجود العاملات مشكلة يعاني منها كل بيت سوداني قبل شهر رمضان الكريم لافتة إلى أن قيمة استقدام عاملة تجاوزت الثلاثة آلاف جنيه ورغم هذه المغالاة تمكنت من الاتفاق مع عاملة بذات المبلغ لحاجتي الشديدة لها لكنها هربت بعد مضي أربعة أشهر قبل أن يحل الشهر الكريم فاضطررت لأن ألجأ إلى أحد السماسرة لتأمين خادمة لي وقبل أن يأتي لي بالعاملة في العادة يطلب نصيبه أولاً وقبل أن يأتي بالعاملة وهذا النصيب في أقله يبلغ (400) جنيه، بينما تتقاضى الخادمة (2) ألف جنيه خلال شهر رمضان و(1500) في الأشهر الأخرى.

 

  • عدد الأفراد يحدد الأجر!!!

أما المذيعة (ناهد مشي) فقالت لـ(الأخبار) إنها ترفض أن تكون لها عاملة في المنزل بصفة دائمة وتكتفي بيومين في الأسبوع ، بشرط أن تكون من غير الأجنبيات ، وأضافت اضطررت الآن أن أبحث عن عاملة منزلية خلال شهر رمضان فقط ووقتها فوجئت بها تسألني عن عدد أفراد الأسرة قائلة إذا كانوا خمسة أفراد يكون المرتب أعلى، أما إذا كانوا 10 أفراد فلا أستطيع العمل معك ، و أبانت أنه أصبح هناك سماسرة يستجلبون العاملات ويتحكمون في أجورهن وهناك استغلال كبير للأسر خاصة في شهر رمضان لأن الأسر مضطرة للاستجابة لطلباتهن.

 

  • رمضان شهر المال

(ميمي) وهي عاملة قالت: إنها هربت من مقدمها بسبب سوء معاملة زوجته وأبنائه وأمسكت عن الخوض في تفاصيل ذلك في المعاملة وتابعت: أنا أفضّل التعامل بالأسبوع مع أنه غير متوفر إلا عن طريق الصدفة وهو أفضل لي لافتة الى أن الأجر الأسبوعي يبلغ  ثلاثمائة جنيه وفي رمضان يصل إلى خمسمائة جنيه ، مبينة أنها تتعامل مع سماسرة العمالة المنزلية وهم يشترطون علينا إعطائهم نسبة من الأجر في حالة أتوا بفرصة العمل ، مشيرة إلى أنها عملت قرابة ثمانية أشهر كإقامة دائمة في أحد المنازل بيْد أن الظروف الاقتصادية جعلت الأسرة تستغنى عني منذ أكثر من ٣ أشهر ومن وقتها وأنا أتبع نظام الخدمة بالشهر والحمد لله رمضان من الأشهر التي تجلب لنا الكثير من المال.

 

  • والخيارات المتعددة ثقافاتهم غريبة ومريبة

وقالت المهندسة واحات محمد علي إن العاملة الأجنبية بالتحديد الحبشية قد تكون أفضل من السودانية بألف مرة لأنها تعمل دون إجازات ولا تتذرع بظروف طارئة لأنها تقيم معي في المنزل عدا الجمعة وفي أغلب الأحيان تتنقل معي حيثما أتجه سواء لبيت أختي أو لبيتنا الكبير إلا أنها مع كل هذه المحاسن لها مساوئ فهي في أغلب الأحيان تبحث عن زيادة الأجر مما يجعلها غير مضمونة في الاستمرار والعمل مع أسرة واحدة وعندما تعلن عصيانها قد تسبب المشاكل بدءاً بعدم الطاعة والتفاني في العمل وهناك نوع آخر قد يصل معك لدرجة المشاجرة ومغادرة المنزل في نصف الشهر (وقت الزنقة) كما يقولون وقبل أن تفكر في البديل ، مما يجعلك تضطر لزيادة الراتب أو تركها وشأنها وتبدأ رحلة البحث عن أخرى وهي تكون تجربة مختلفة ونهج جديد وفي هذا الشأن لي تجربة مع إحدى العاملات الأجنبيات وصلت حد أن تشاجرت معي لأنني حاولت منعها من الخروج دون إذن بعد صلاة العشاء ودعوة بعض زميلاتها ليجلسن أمام البيت في شكل (لمة غريبة) ولساعات متأخرة من الليل فأنا (أم) ولا أسمح بدخولها البيت بعد الساعة العاشرة بأي حال من الأحوال لأنها ليست ثقافتي ولا أود توريث أبنائي وبناتي مثل هذا السلوك الغريب حتى لا أعمل على إقرار سلوك لا يشبه طريقتي في تربية أبنائي عبر محاكاتها بأي شكل من الأشكال لأنها قريبة منهم لدرجة كبيرة لأنني مهندسة وتجدني جل الوقت أتفقد المواقع وبعد ذلك أتجه صوب الجامعة فأنا أحضر الماجستير مما جعل وجود أطفالي مع العاملة يستمر لساعات طويلة.

 

  • الأجانب وهاجس تغيير الثقافات

وقال المدير الأسبق لدائرة شؤون الأجانب اللواء حيدر حسن طه: إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتشغيل العاملات الأجنبيات أصبح هاجساً يؤرق مضاجع المسؤولين في الدولة لاعتبارات عديدة من أهمها مساهمة المهاجرين في تغيير الثقافات والعادات ونقلهم لعادات وتقاليد غريبة لا تشبه عاداتنا وثقافتنا السودانية، كما أن الوجود الأجنبي يساعد على ظهور أنماط جديدة من الجرائم الدخيلة على مجتمعنا ومن أخطر سلبيات الأجانب نقل الأمراض الخطيرة لأن بينهم من تسللوا للبلاد وهم مصابون بأمراض لذلك يعتبر الكشف الطبي من أهم شروط منح الإقامة للأجانب أوضح حيدر أنه من الصعوبة السيطرة على الحدود السودانية لطولها وامتدادها مع العديد من الدول مما جعل مسألة ضبط الهجرة غير الشرعية من الأمور البالغة التعقيد مبيناً أنه في الفترة الأخيرة أصبح السودان جاذب لأعداد كبيرة من العمالة الأجنبية بعضهم جاء متسللاً عبر الحدود وهو سلوك مخالف لقوانين الهجرة التي تلزم كل شخص يريد الدخول إلى بلد آخر أن يتحصل على تأشيرة سفر وإن كان دخوله من أجل العمل لابد له من الحصول على عقد عمل ساري المفعول من الجهة المستخدمة، ولكن نجد أن معظم الوافدين المتسللين يمتهنون مهناً هامشية مما يتسبب في الإضرار بالاقتصاد الوطني.

 

ومن مخاطر الهجرة غير الشرعية أنها تساعد على نقل الكثير من العادات والتقاليد الغريبة عن عاداتنا وثقافتنا السودانية كما أنها تساعد على ظهور أنماط جديدة من الجرائم الدخيلة على المجتمع ومن أخطر سلبياته هو نقل الأمراض الخطيرة لذلك نجد أن الكشف الطبي يعتبر من أهم شروط منح الإقامة بجانب أن الأجانب يشاركون المواطنين في الخدمات دون الإسهام في تكلفتها.

وقد كثرت في الآونة الأخيرة جرائم العاملات الأجنبيات في المنازل حيث يقوم العديد من المواطنين باستقدام عاملات بمنازلهم (حبشيات) من غير التأكد من إجراءاتهن الهجرية وفي أغلب الأحيان تتم السرقات والجرائم من قبل أجانب مجهولي الهوية لذلك نناشد المواطنين بضرورة مراجعة إجراءات العاملات قبل استقدامهن ونطالب بأهمية التأكد من الكشف الطبي لافتاً الى أن للإدارة العديد من نقاط الارتكاز على طرق المرور السريع لضبط دخول الأجانب والتأكد من إجراءاتهم الهجرية، كما توجد لدينا متابعة مستمرة لسفريات الطيران الداخلية والخارجية وتقوم الدائرة بزيارات لتفقد عمل النقاط بالاتفاق مع حكومة وشرطة الولايات المعنية، أما من ناحية الإجراءات القانونية فقد تم تشديد العقوبة على المهربين .

 

  • التكلفة السنوية 24 ألف جنيه

من جهته أبدى الخبير الاقتصادي عبدالله الرمادة انزعاجه من مسلسل هروب العاملات الذي يعيشه البيت السوداني سنوياً خلال شهر رمضان في ظل عدم وضوح الأنظمة والقوانين المنظمة للعمل بين الطرفين وقال الرماد: إن المجتمع ما زال يعاني من مشكلة هروب العاملات في رمضان وإن البحث عن عاملة بات من الأمور المرهقة جداً لكل منزل وحذّر من سماسرة العاملات الذين احتلوا المرتبة الثالثة بعد سماسرة العقار والسيارات مشيراً إلى ارتفاع أن نسبة سعر العاملات تصل إلى (2000 أو 1500) .

 

وتابع: خسائر العاملات الأجنبيات تصل إلى مبالغ عالية جداً للأسرة الواحدة قد تناهز (24) ألف جنيه سنوياً بواقع 2000 ألف جنيه شهرياً لكل عاملة يدفعها رب الأسرة وهو يعتبر أقل سعر متسائلاً: كيف سنعبر بهذه المشكلة التي لم نجد لها حلاً إلى الآن وأضاف الرمادة أن هناك 40% من عاملات المنازل يعملن بدون كفالتهن بالتعاون مع مكاتب السماسرة وكانوا سبباً رئيسياً في رفع سعر السوق بشكل جنوني، كما أن السمسار تكون له نسبة من الدخل الذي تتعاطاه العاملة.

 

  • العمالة المخالفة

ومن جانبه يقول سمسار بالخرطوم فضل حجب اسمه إن ظاهرة تخلي العاملات عن العمل وارتفاع أسعار خدمتهن في شهر رمضان على وجه الخصوص يعود لعدة أسباب أهمها انتشار العمالة غير المنضبطة واحتواء بعض الأسر لهن دون  التنسيق مع مكاتب الاستقدام أو مع السمسار سواء كان حبشياً أم سودانياً، فكلاهما يضمن للطرفين حقه إلا أنه في بعض الأحيان هناك سماسرة يتقفون مع العاملات للهروب والاختفاء بدون مبرر أو زيادة أسعارهن في فترة رمضان وقد لا تواجه  تعثراً في الخدمة إذا اتجهت الى أي مكان آخر لأن الأسر في حاجة ماسة لاستقبال أي خادمة بغض النظر عن السعر المطلوب.

وأضاف: هناك بعض مكاتب الاستقدام أيضاً تتفق مع العاملة على الهرب بعد عدة أشهر من عملها ليقوم بالمتاجرة بها بالأسبوع مشيراً إلى أنه لو تكاتفت الأسر ورفضت استقبال أي عاملة ليست لديها إقامة نظامية وخاضعة لجهة معلومة سنجد أن تلك الظاهرة اختفت ويضيف أصبح هناك مكاتب استقدام نظامية تعمل قصداً علي توجيه العاملات للعمل بالأسابيع وبأسعار قد تكون مريحة بعض الشي طلب العاملة عبر مكتب منظم أو سمسار معروف بالسيرة النظيفة وغير مخالف للقوانين والنظم واللوائح الموضوعة وقال: نحن نتمنى أن تكون هناك رقابة مشددة على الجهات التي تقوم ببعض الخروقات وأن لا تتوانى الأسر في التبليغ لجهات الاختصاص حال وجود أي مخالفة أو تعرضهن للابتزاز من قبل العاملات عبر ما يطلبنه  من مبالغ خرافية خصوصاً خلال شهر رمضان مع عدم  الأمانة في حفظ الممتلكات.

 

  • الحاجة الماسة

وعزت نجوى بابكر الاختصاصي النفسي المغالاة في رمضان لعدة أسباب وقالت في حديثها لذات الصحيفة إن الأمر بساطة خاضع لظروف المرأة العاملة أو المرأة التي لديها ظروف  مرضية وهناك من لديها أطفال وتحتاج الى مساعدة في ترتيب المنزل وغسل الملابس، فالحاجة الماسة تجعل من المخدمة الاستعانة بالعاملة الأجنبية فعلى الرغم من عدم توافق ثقافتها مع ثقافتنا فهي بعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا وفي بعض الأحيان عن ديننا أيضاً وقد يخلق هذا الأمر فجوة بيننا وبينهم كما أن ثقافتهم لا تمت لثقافتنا السودانية بصلة مما تؤثر هذه الثقافة على الأسر والأطفال على وجهه الخصوص خاصة إذا  كانت سيدة المنزل موظفة أو لديها عمل خاص وتعتمد على العاملة اعتماداً كلياً مما يتسبب سلباً هذا البعد والاعتماد على الأطفال من حيث نقل الثقافة المختلفة وعدم ضمان رعايتهن رعاية أمينة.

 

ابتدر الباحث الاجتماعي أبو القاسم كبور حديثه في هذا الموضوع  قائلاً: هناك شقان للموضوع، الشق الأول هو متمثل في المخدمة والشق الثاني خاص بالعاملة نفسها، فخلال الشهر الكريم تجد الأسر في حاجة ماسة الى عاملة تخفف عنهم  الالتزامات المترتبة خلال الشهر وخاصة فترة النهار مما يزيد من الاحتياج الى المساعدة بطريقة أو بأخرى وبأي سعر يطلبه السمسار المسؤول من العملية المالية وفي الغالب تطلب العاملة مبلغاً أكبر بغير العادة ومن جهة أخرى قد تقدم ربة  المنزل مبلغاً إضافياً من باب الإغراء والترغيب في حالة تردد  العاملة في الاستمرار وأضاف: هذه القضية لها أبعاد أخرى فالعاملة تعيش بعيدة عن أسرتها وتمر بمآسي الغربة وفي ظل استغلال السماسرة الذين يأخذون منها مبلغاً كبيراً من أجل تأمين عمل لها وأن كل من الطرفين يسعى لتأمين وضعه بعيداً عن حالته النفسية بغض النظر عن الغاية أو الوسيلة.

 

 

تحقيق: وجدان أبو قرون

الخرطوم (صحيفة الأخبار)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى