السعودي آخرهم: سفراء في ضيافة أهل السجادة.. دبلوماسية (الدراويش)

عندما زار القائم بالأعمال الأمريكي السفير “جوزيف ستانفورد” ضاحية الكباشي شمال الخرطوم بحري لزيارة قادة الطرق الصوفية فى العام 2012 ، بدت الخطوة لافتة ومدهشة وأثارت جملة من الأسئلة حول مغزى الزيارة ومعناها.. ذات الدهشة أصابت الكثيرين في أكتوبر من العام 2016م  عندما زار كل من إمام الحرم المكي الشيخ خالد الغامدي مسيد الشيخ الكباشي بقرية الكباشي، واستبقه  لزيارة ذات المسيد الشيخ المعيقلي..

لم تمض سنوات على زيارات الغامدي والمعيلقي، إلا واقتفى أثرهما  السفير السعودي بالخرطوم علي بن جعفر، وتوجه نحو الشيخ الكباشي، ثم جنوباً نحو قبة الشيخ الياقوت، وهو الأمر الذي خلق العديد من الاستفهامات المعلقة التي يقف على رأسها سؤال عما إذا كانت خطوة السفير السعودي اتساقاً مع حركة الانفتاح والإصلاح التي يقودها ولي العهد السعودي  محمد بن سلمان في أرض الوهابية.

مبررات الدهشة

خلفية السفير بحسب الكثيرين كانت السبب في دهشة الخرطوميين، لجهة أنه خريج المدرسة الوهابية  التي تقف على طرفي نقيض تماماً مع الفكر الصوفي وعمقها المعرفي المعروف بـ(علم الباطن).. ويذهب الخبير في  شؤون التيارات السلفية د. محمد خليفة في حديثه لـ(السوداني) الصادرة يوم الثلاثاء ،  إلى أنه من المبكر جداً تصنيف تحركات السفير السعودي وسط أهل السجادات بأنها جزء من حركة التغيير التي تشهدها بلاده،  مشيراً إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون الوهابية أو السلفية هي خلفية الدبلوماسيين السعوديين، منبهاً إلى أن التصوف موجود في السعودية نفسها  بل وعميق، حيث تعد عائلة المالكي من أشهر العائلات المتصوفة  بمدينة مكة ، واستدرك: لكن الثابت أن الوهابية هي المدرسة الكبيرة.
نشاط السفير وتحركاته لم يستطع خليفة فك طلاسمها وتحديد ما إذا كانت  بإيعاز من الخارجية  السعودية أم لا، خصوصاً وأن الوقائع تقول إن الملحق الديني السعودي لديه علاقات وثيقة مع كافة التيارات الدينية فى السودان.
تحديد توجه سفير الرياض بالخرطوم طبقاً للخبير في شؤون التيارات السلفية لا يمكن تفسيره إلا بقراءة تحركات سفراء الرياض في بلدان المتصوفة أي المغرب ومصر، ومن ثم معرفة ما إذا كانت هذه التحركات توجهاً من المملكة أم مبادرة شخصية من السفير.

واشنطن والرياض

تحليلات تذهب إلى أن خطوة سفير الرياض لا تنفصل عن التوجه الأمريكي في المنطقة الساعي لتعزيز تيارات الإسلام المعتدلة على حساب التيارات المتطرفة، وترجمت ذلك في الخرطوم بتقارب ممثيلها لشيوخ السجادة وقادة الصوفية، إلا أن محمد خليفة يستبعد أن تكون هناك استراتيجية متفق عليها بين الرياض وواشنطن في هذا الشأن. ويلفت خليفة إلى التقرير الذي أعدته مؤسسة بحثية  أمريكية “راند”  حول الشبكات الإسلامية المعتدلة، ونصحت خلاله الحكومة الأمريكية  بتشجيع التصوف والوقوف معه حتى يكون التيار السائد في الدول الإسلامية باعتباره “الترياق ” لمواجهة التطرف وذلك لاعتداله ووسطيته وأنه تاريخياً  لا يتدخل في السياسة وليست له أي خلافات أو عنف لذلك بدأ الأمريكان ينشطون في إطار التصوف.
في المقابل فإن هذا التصور أو الفهم غير موجود، على اعتبار أن  الفكر السلفي ليس عنيفاً كمفهوم عام وإن وجدت فيه بعض المدارس العنيفة مثل السلفية الجهادية. ويرى خليفة أنه من المبكر الحكم على توجهات الرياض لجهة  أنها وحتى الآن  لم “تقطع” علاقتها بالتيارات السلفية في السودان، على الرغم  من أن وفد السفير ضم رموزاً سلفية كما حدث خلال زيارة إمام الحرم المكي الذي رافقه في زيارته  للشيوخ قادة سلفيون، وأضاف: أن هذا التقارب بين التيارين أصبح ظاهراً حتى في المناسبات الاجتماعية  مثل إفطارات أنصار السنة  السنوية ومناسبات مشايخ الصوفية  آخرها وفيات  خليفة “البادراب ” ووفيات شيخ الكباشي، معتبراً أن التيار السلفي السوداني ليس  تياراً إقصائياً.

متطرفون في التيارين

مراقبون يرون أن التطرف لا تيار له، وأنه يتسلل إلى الجميع، ويذهب خليفة إلى وجود متطرفين هنا وهناك لكن الوسط الإسلامي هو الذي سيسود لدى قبوله  التقارب  بين السلفيين والصوفية، وأضاف:  أتوقع أنه التيار الذي سوف يسود، وأن السعودية سوف تنظر إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الأمر قابلاً لأن يكون مستقبلياً  خاصة وأن التصوف موجود فى التربة السعودية.
ويذهب المتخصص في الفكر السلفي إلى أنه إذا حدث تنازل  من الصوفية في بعض الأفكار، سيكون هناك تنازل في المقابل لدى السلفيين، ومن ثم يمكن الوصول إلى منطقة وسطى، بالتالي يمكن للسعودية أن تتبنى مدرسة تأخذ من كل طرف ليحدث التعايش دون احتكاكات  أو عنف.

الخرطوم (كوش نيوز)

Exit mobile version