“تياران في صندوق” المؤتمرالسوداني وجدلية المنازلة والمقاطعة تفرض استفهامات

“تياران في صندوق” الثلاثاء ستجلس قيادات حزب المؤتمر السوداني لتتجادل حول مشاركة حزبها في انتخابات 2020، بين تياري (المنازلة) و(المقاطعة) يبرز السؤال حول مدى ملاءمة التوقيت لهذا النقاش وعن مستقبل الحزب؟

يعلن حزب المؤتمر السوداني المعارض عن (مناظرة) ستكون بين اثنين من قياداته خالد عمر يوسف نائب رئيس الحزب في مواجهة عادل بخيت، وبينهما الموقف من انتخابات 2020 المزمع قيامها. الحزب الذي ينشط في تحالف نداء السودان ويرفع منسوبوه راية ضرورة إنجاز التغيير عبر إسقاط النظام، بل إنه للتأكيد على هذه الفرضية يتبادل منسوبوه عبارتهم الأثيرة (لسنا ممن يعودون من منتصف الطريق)، العبارة التي رددها زعيمه عمر يوسف الدقير وهو يخرج من المعتقل للتأكيد على استمراريتهم في مقاومة النظام. الدعوة للمناظرة في هذا التوقيت يعتبرها البعض تأكيداً على أن هناك أكثر من تيار داخل صفوف الحزب الذي زادت درجة تأثيره على المشهد السوداني مؤخراً، بل إن البعض اعتبره الحصان الأسود الذي يمكن التعويل عليه في مضمار التغيير.

1
جدل كثيف أعقب إعلان الحزب لمناظرته التي اعتبرها خروجاً بالنقاشات للهواء الطلق، وبالطبع أفرز حالة من الهجوم العنيف على الخيار نفسه خصوصاً وأنه في وقت سابق وعقب تداول الصحف ووسائل الإعلام لاختلاف وتباينات داخل المؤتمر السوداني حول الموقف من الانتخابات ووجود أكثر من تيار، نفى الحزب هذا الاتجاه بل إن بعض مكوناته سخرت من تداوله. المفارقة أن نائب رئيس الحزب خالد عمر أكد أمس على وجود تيارين داخل منظومته، في ما يتعلق بالموقف من الانتخابات.. يقول خالد “على الرغم من تبنيَّ لأحد الخيارين، إلا أنني أكن احتراماً بالغاً لحاملي الرأي الآخر ولا أرى ما يقلق في هذا التباين في الآراء، بل على العكس، فالاختلاف رحمة ومن الضدين يولد كل جديد، والتماثل والتطابق هو وصفة موت كل شيء، وهو ما يعني أن الحزب وبخطوته تلك يبعث حياة جديدة في المشهد السياسي السوداني برمته”.

2
بالطبع كان توقيت الدعوة للمناظرة وتحديد موضوعها يجعل البعض يفتح أبواب الجحيم أمام الحزب، يستدعون مواقفه في السابق ويقرونها مع موقفه الحالي ويرون أن في الامر ردة عن مشروع التغيير الذي يجب الاتفاق عليه. يقول فاروق عثمان نصر تعليقا على ما يجري: عندما كانت معاناة الناس تساوي عشر معاناتهم الآن، كان حزب المؤتمر السوداني يخاطب الناس في الأسواق والشوارع ويحثهم على الانتفاضة والثورة، مما مكنه من نيل حيز كبير من الثقة والاحترام وكسب أرضيات جديدة ممن يقفون على الرصيف انضماما أو تضامنا أو احتراما، وحين وبلغت معاناة الناس قمة تجلياتها المأساوية تراجع حزب المؤتمر السوداني بشكل مربك ودراماتيكي عجيب، في خطابه وفعله الثوري، وتقهقهر على مستوى الخطاب الصدامي، والفعل النوعي والمبادرة الجرئية متحدثا عن انتخابات عبثية بعد عامين وفي توقيت جد عجيب فاقد للتعاطف والالتفاف وفاتح للمجال للتهكم والسخرية والانتقاص، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام التساؤل: لماذا الآن؟
3


بالنسبة للصحفي السوداني المهتم بملفات المعارضة والمقيم بالدوحة، عباس محمد إبراهيم، فإن تباين المواقف حول عملية الانتخابات يشابه لحد بعيد تباينها في ما يتعلق بالموقف من التسوية أو ما يطلق عليه البعض فرضية الهبوط الناعم، بحسب ما قال لجريدة اليوم التالي الصادرة يوم الأحد ويقول : تيار الدعوة للمشاركة في الانتخابات هو ذاته تيار التسوية في وقت سابق والذي كان قد قال عنه رئيسه الدقير (التسوية ما كعبة، كعبة التسوية الكعبة)، وهو ما يشير بشكل كبير إلى ان الهدف الأخير لحزب المؤتمر السوداني هو تحقيق غاية التغيير، وذلك عبر توظيف كل ما هو متاح أمامه، وأن يتم العمل وفقاً للخيارات المتاحة كلها، خيار تعبئة الشارع نحو الانتفاضة، وخيار تبني نهج التفاوض لتحقيق ذات الهدف. لكن عباس يرى في الموقف الجديد تراجعا عن الهدف، وانه يعبر عن حالة القطيعة بين مطلوبات الشعب السوداني وبين ممارسات النخبة السياسية وفشل قياداتها في جعل نفسها بديلا موضوعيا للواقع غير الملائم الآن.
4


بالطبع يرى الكثيرون في الخطوة الأخيرة للحزب وهو يتجاوز الواقع الوطني المحيط ويقفز عامين للأمام من أجل التداول حول الانتخابات، طعنة في خاصرة الجماهير المكتوية بكل شيء حولها، وان الطريق الآن هو طريق تنظيم الصفوف لمواجهة الإنقاذ في ذات صفوف المعاناة وليس عبر اختطاط صف جديد وبين موقفين يرد خالد عمر الذي يدعم خيار منازلة حزبه للمؤتمر الوطني في صناديق الاقتراع بالقول، إنه ليس من حقه أن يحدد للناس ميادين معاركهم، فليسعد من اختاروا خوض معارك التخوين والاتهامات واكتشاف “مؤامراتنا” العظمى بمعاركهم، فليس لي أن أحدد لهم ما يقاتلون من أجله، وأعتقد أن التغيير الذي أحلم به هو تغيير يشمل في ما يشمل هذه المسلمات التي يهنأون بدفئها.. قد يثبت خطأ ما أعتقد فيه الآن، وأجزم بأنه لن يكون آخر أخطائي، ولكن فإن الاختلاف حول الرؤى داخل المنظومة تعبير عن حالة صحية واللجوء لخيار الحوار من شأنه أن يقود الجميع نحو الخيارات الأكثر صحة وملاءمة للواقع، وبالتالي المساهمة في الوصول إلى حلول تجد قبول الجميع.

5
في وقت رأى فيه الكثيرون أن إقامة مناظرة داخل منظومة واحدة خطوة في اتجاه الديمقراطية التي تقوم أساساً على تعدد الآراء والقبول بالآخر المختلف عنك، وهي ما يمكن أن تعبر عن أن الحزب يسير في الاتجاه المضاد لما سارت عليه القوى السياسية السودانية طوال تاريخها المليء بالأخطاء. لكن بالطبع فإن أصحاب هذا الرأي بمعية آخرين يجادلون في الأمر من خلال توقيته، ففي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن السلطة الحاكمة تعيش أضعف حالاتها وأن العجز عن تسيير دولاب البلاد صار هو ديدنها وأن ازدياد معاناة المواطنين من شأنه أن يقرب الطريق لوضع نهاية لحقبتها، في مثل هذا التوقيت يأتي أحد أكبر الأحزاب للنقاش حول انتخابات بعد عامين، فإن الأمر حتماً يصب في مصلحة الحكومة ويؤكد فرضية البعض القائلة إن ثمة معارضين مصلحتهم في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، ودون العمل على تغييرها. وهو ما وضع المؤتمر السوداني نفسه فيه من خلال الدعوة لمناظرة الثلاثاء.

6


في وقت سابق كان البعض يتداول ما مفاده ترشيح الرئيس السابق للمؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ في مواجهة مرشح المؤتمر الوطني على منصب الرئاسة باعتباره المرشح المجمع عليه من قبل قوى المعارضة، وهو الأمر الذي نفاه الحزب لاحقاً بالقول بأنه لم يحسم بعد عملية مشاركته في الانتخابات من عدمها، لكن استضافة السفير البريطاني بالخرطوم في بث مباشر على صفحة الحزب كانت كفيلة لإعلان موقف جديد حين أعلن الرجل اتفاقه مع قيادات الحزب على المشاركة في الانتخابات مما تطلب بيانا آخر حمل ذات صيغة النفي السابقة، الأمر يقرأه البعض في سياق محاولات التواصل بين مطلوبات المجتمع الدولي والفعل السياسي الحزبي بالداخل، فتبني خيار ديمقراطية الانتخاب احد المطلوبات الأوروبية في دول العالم الثالث في كل الأحوال ظل الخيار معلقاً حتى الآن ولم يحسم الجدل حوله، وهو ما استدعى أن تتنازع حوله التيارات الآن ليتم حسمه في الهواء الطلق وعبر مناظرة.

7
مساء الثلاثاء وفي داره على مقربة من طلمبة الوقود التي تشهد ازدحاماً جماهيرياً في شمبات، سيجلس خالد يوسف في المنصة التي ستتسع أيضاً لعادل بخيت أمين أمانة التدريب، سيقول الأول دفوعاته التي تجعل البعض يتجه نحو الصناديق بينما سيفندها الآخر وسط تصفيقات الجماهير من منسوبي الحزب أو من المهتمين بحراكه بشكل عام، بالطبع لن تحسم المناظرة ساعتها الخيار ولكنها ستصلح كأساس يمكن البناء عليه مستقبلاً لتحديد خيار المنازلة أو المقاطعة فيما سيظل السؤال قائماً وبصوت الجماهير التي كان يخاطبها منسوبو الحزب حتى وقت قريب، منادين عليها بضرورة إسقاط النظام هل بإمكاننا الصبر حتى العام 2020 على هذه الحالة؟ وهل ستجد لجنة الانتخابات ساعتها الأموال التي تمكنها من استيراد صناديق الاقتراع وهي العاجزة عن توفير أموال لصيانة مصفاة البترول في الجيلي؟.

الخرطوم (كوش نيوز)

Exit mobile version