تحقيقات وتقارير

(السياسة والصحافة) جدل واسع يتعلق بماهية العلاقة بين الحكام والسلطة الرابعة في “يوم الصحافة”

(السياسة والصحافة) تُثير مشاركة نائب رئيس الحزب الحاكم في احتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة جدلاً واسعاً بين الرفض والقبول، ما يؤدي إلى طرح سؤال متعلق بماهية العلاقة بين الحكام والسلطة الرابعة؟

يشارك اليوم عدد من الصحفيين السودانيين في الاحتفال باليوم العالمي للصحافة في مقر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين الكائن بالمقرن في الخرطوم، لكن ما يبدو مثيراً للدهشة ما نشر من أنباء أن الاحتفال بالحصول على جائزة الحريات الصحفية يخاطبه نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم فيصل حسن إبراهيم وبالطبع في البال أن غالبية الصحفيين يقولون إن أكبر مشاكلهم تلك التي ترتبط بطبيعة إدارة الدولة من قبل الحزب الحاكم. بينما لا يكتمل مشهد الصحافة دون صورة أخرى ستوقع عليها هذه المرة شبكة الصحفيين السودانيين وهي توقع على بيانها السنوي بالعبارة الحاضرة (تعيش أسوأ أيامها).

تفتح مشاركة الرجل الثاني في الحزب الحاكم في احتفالات اتحاد الصحفيين في يومهم العالمي باب الجدل حول العلاقة بين الصحافة والسياسة في البلاد بالنسبة لعدد كبير من المشتغلين في الصحافة السودانية فإن الأخيرة دائما ما تدفع فواتير السياسة والسياسيين في الوقت نفسه؛ ففي كثير من الأحيان وجد الصحفيون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه لاعتبارات سياسية أو لأن أحدهم قد تراجع عن تصريح كان قد أطلقه لحسابات تخص منظومته السياسية أو حساباته الخاصة في الاستمرارية من عدمها.

ينظر عدد من المشتغلين في حقل الصحافة السودانية بحالة من عدم الرضا لما يسمونه سقوط الاتحاد في مستنقعات الموقف السياسي في إشارة إلى أن الأخير يمثل إحدى أذرع الحزب الحاكم وأن السبب الرئيس في جلوسهم في المقاعد هو أنهم جاءوا مدعومين من المقر الكائن في العمارات دار المؤتمر الوطني.
بينما لا يمكن فصل المشهد عن آخر الأحداث التي ارتبطت بالصحفيين، ففي البرلمان خرجت تصريحات تقلل من شأن الصحفيين بلسان وزير النفط في أعقاب مسألته حول أوضاع المشتقات البترولية، ولم ينته الحدث باعتذار الوزير وإنما انتهى بسيناريو آخر تماماً حين التقى رئيس الاتحاد بالوزير معلناً تضامنه معه في مقابل منسوبيه لدرجة أن الرجل لم يكلف نفسه حتى عناء سؤال أعضاء اتحاده عما وقع يومها.

كان لحالة الانقسام السياسي تأثيرها على الفعل الصحفي في السودان وهو ما يبرز بشكل واضح في التصنيفات التي تتم للصحفيين من معسكري الحكومة والمعارضة في آن واحد؛ فالصحفي لدى المعارضين هو إحدى آليات تنفيذ استراتيجيات السلطة لدرجة أن أكثر التوصيفات حضوراً في المشهد هو توصيف (صحف وصحفيي النظام) بينما في الجانب الآخر هو إحدى الأدوات التي تستخدمها المعارضة لتغبيش وجه السلطة لدى الرأي العام. وفي الحالتين فإن الصحافة كمهنة يجب أن تؤدي دورها كما ينبغي، وهي تدفع فاتورة هذه التصنيفات في نهاية المطاف، تصنيفات انتهت بالكثيرين لمغادرة وظائفهم تحت لافتة (غير متعاون) أو أنه يمثل أحد المهددات للنظام السياسي القائم، أو لأسباب أخرى.

في سياق التأثير السياسي على المشهد الصحفي وعلى أداء الصحفيون لواجباتهم في نقل الحقيقة يمكن العودة إلى ما جرى في يناير الماضي حين أعلنت المعارضة تسيير مواكب رفض لميزانية العام 2018 وهو نشاط يستدعي وجود الصحفيين لتغطيته لتكون نتيجته الختامية هي أن يقضي عدد من الصحفيين أيامهم في المعتقلات بتهمة المشاركة في المواكب وهي حالة تعبر عن أزمة في التفريق بين ما للسياسة وبين ما هو للصحافة. المفارقة الأشد هي أن السلطة نفسها دفعت فاتورة سياسية باهظة بسبب اعتقالها لصحفيين في المواكب التي جرت يومها. فيما خرج الصحفيون لممارسة ذات فعلهم القديم في نشر الحقيقة بغض النظر عن موقف السلطة والمعارضة مما يقومون بفعله.


يقول الكاتب الصحفي فيصل محمد صالح لجريدة اليوم التالي يوم الخميس في سياق العلاقة بين الصحافة والسياسة في البلاد إن خلق حالة من الفصل بينهما يبدو على درجة كبيرة من الصعوبة. يعود فيصل إلى التاريخ البعيد في السياسة السودانية حين يربط بين موقف علي عبد اللطيف من المستعمر وأنه جاء عبر مقال صحفي وذلك بغية التأكيد على فرضية رئيسة هي أن الصحافة السودانية كانت سباقة في إبانة المواقف السياسية على السياسيين أنفسهم وأنه طوال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية لم يكن هناك صوت واضح إلا عبر أوراق الصحف. وهو ما يؤكد على ريادة الصحفيين وقدرتهم على قيادة التغيير السياسي والاجتماعي أكثر من أي مجموعة أخرى وأن محاولات الاحتواء السياسي للصحفيين لن تتوقف وستظل حاضرة.

بالطبع في معادلة تبادل التأثير بين السياسة والصحافة فإن الكثيرين يستدعون مواقع بعض الوزراء الذين غادروا مواقعهم في الصفحات الأخيرة للصحف وجلسوا في كراسي الوزارة الوثيرة. هنا تأتيك صورة الكاتب السياسي حسن إسماعيل ومعه المستشار الإعلامي في سفارة السودان بلندن مصطفى البطل، في كل الأحوال فإن رعاية يوم الصحافة بواسطة سياسي تجد الرفض من مجموعة من الصحفيين ويقبلها آخرون؛ فالصحافة هي الرأي والرأي الآخر.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى