مياه الشرب ..أغـلـق أنـفـك
تتجدد الشكاوى من قبل الأهالي والجهات الرسمية حول إشكالات الصرف الصحي لاختلاطها بمياه النيل, وزاد الأمر سوءاً التصريحات التي أطلقت من قبل نواب المجلس التشريعي ، لتؤكد دراسات علمية وجود تلوث في المياه.
وتزداد هواجس المواطنين وتنتشر الأمراض والوبائيات مما يحتم ضرورة التدخل العاجل من قبل القائمين على الأمر لمعالجة القضية.
«الإنتباهة» سلطت الضوء على القضية لما لها من أهمية مباشرة لدى المواطن ، بدورها حملت «الإنتباهة» كافة الاتهامات وعرضتها على الجهات التشريعية والتنفيذية لإيجاد حلول جذرية وحاسمة .
شكاوى المواطنين :
شكا مواطنو مناطق الخرطوم جنوب وبعض أحياء ام درمان وشرق النيل من وجود تلوث في مياه الشرب في بعض الخطوط الناقلة مما أدى إلى ظهور حالات للإصابة بأمراض التايفويد والإسهالات وغيرها , فضلاً عن وجود رائحة كريهة بالمياه، وأبدوا تخوفهم من اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي. وناشد المواطنون الذين تحدثوا لـ «الإنتباهة» المسؤولين خاصة هيئة مياه الخرطوم التدخل العاجل لحل المشكلة تفادياً لحدوث أضرار صحية.
دراسات سابقة :
أثبتت دراسة علمية قام بها معهد البحوث والدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم في عام 2011م وجود (5ـ6) عينات مياه ملوثة من بين كل (10) عينات من مناطق شكاوى المواطنين التي ترد إلى المحليات. وأضاف باحث الدراسة أحمد النوراني: إن الدراسة التي شملت وسط الخرطوم بينت أن (92% ) من عينة الدراسة أكدت أن مياه الشرب تتصف بالرداءة وأن (85%) يشعرون بالقلق تجاه نوعية مياه الشرب، إضافة إلى أن (50%) فقط مستعدون لتحمل نفقات إضافية للحصول على مياه أفضل نوعية ، وتعتبر هذه المعلومات مثبتة علميا وفق دراسة متخصصة, لنعرض القضية على الجهات المختصة لتفيدنا مدى صحة الدراسة على أرض الواقع ، وهل ما زالت قائمة فعليا أم هناك تناقص في النسب ؟
شرارة التشريعي :
في تصريحات أطلقها أحد نواب المجلس التشريعي ورئيس لجنة التعليم علي ابو الحسن يوجه خلالها اتهاما لاذعاً لقوانين البيئة التي وصفها بالضعيفة, ومشيراً إلى تلوث مياه النيل جراء تفريغ مياه الصرف الصحي بها مما أدى إلى الوقوف على هذه القضية التي تمس المواطن مساً مباشراً وتؤثر على صحته وصحة الحيوان. “الإنتباهة” أجرت مقابلة مع رئيس لجنة التعليم بالتشريعي ابوالحسن وقال إنه خلال ورشة عقدت بالبرلمان وضمت عدداً من المختصين والخبراء أسفرت عنها معلومات تفيد بضعف تطبيق قوانين البيئة وتلوث مياه النيل. وأضاف أن القانون منع تلوث المياه وشدد عقوبتها إلا أنه لا تزال هناك مخالفات . وقال نلاحظ أن مجاري الصرف الصحي تصب في النيل, ولفت إلى أن مثل هذه المخالفات تحدث تلوثاً لا محال و يضر بصحة الانسان والحيوان. وافترض ضرورة عمل معالجات لمياه الصرف الصحي قبل أن يصب في النيل مباشرة .
لا بلاغات :
حملت “الإنتباهة” كافة الاشكالات وشكاوى المواطنين من مختلف محليات العاصمة المتضررين من تلوث المياه جراء الصرف الصحي ، ووضعتها أمام لجنة البنى التحتية بالمجلس التشريعي . وقال رئيس اللجنة جابر مضوي لـ”الإنتباهة” لم ترد أي بلاغات إلى لجنته من قبل المواطنين, وقال ليس هناك شكاوى في هيئة المياه ولا وزارة الصحة وإلا لوردت إلى اللجنة ، ولفت إلى وجوب عقد اجتماع في الأيام الماضية بين اللجنة وهيئة المياه التي بدورها عرضت خطتها الصيفية في توفير المياه للمواطن. وقال بالاطلاع على التقارير أتضح استيفاء المعامل للشروط. وأضاف أن اللجنة بالتنسيق مع هيئة المياه تقوم بكشف دوري للمياه وحال وجود روائح أو تغيير يتم إغلاق الآبار وتجهيز البديل الأفضل ,وقال إن ما ورد عن تلوث مياه النيل أمر في غاية الخطورة ويحتاج إلى وقفة قوية من قبل الجهات المختصة والقائمة على الأمر ، وقال التشريعات لو ضعيفة لابد أن تقوى. وأضاف مضوي أن لجنته عرضت على هيئة المياه مساندتها في تقوية القوانين والتشريعات التي تراها تساعد في تطبيق البيئة السليمة وتحقق الصحة والسلامة للإنسان والحيوان .
ممنوع بالقانون :
وبالرجوع إلى المجلس الوطني باعتباره الجهة المنوط بها تحقيق الأمن والاهتمام بقضايا المواطنين كانت “الإنتباهة” حاضره أمام رئيس لجنة البيئة بالبرلمان التجاني الكجم , الذي أفاد أنه لا يجوز لمياه الصرف الصحي أن تصب في النيل والقانون يمنع ذلك منعاً باتاً, وقال هناك العديد من الحلول مثل إنشاء محطات تنقية المياه أو الحزام الشجري كما موجود في عدد من المناطق .وقال إن لجنته أصدرت توجيهاً ممهوراً بموافقة وزارة البيئة ودفع به إلى صندوق الإسكان يشدد على وجود محطات مركزية بالمناطق السكنية الشعبية لمعالجة مياه الصرف الصحي, ولفت إلى أن أخطاء الصرف الصحي نتيجة مكون داخلي وخارجي في الوقت الذي لابد للجهات المسؤولة أن تسرع في معالجة الأمر, لكن ذلك يحتاج إلى تمويل ضخم. وقال إن سكان الأحياء لهم يد في ذلك التلوث والمخالفات جراء حفرهم لآبار “السايفون” وقال بالرغم من تلك الأخطاء والمخالفات إلا أنه لم ترد شكوى من المواطنين أو بلاغ يفيد بتلوث المياه .
تقاطعات التشريعات :
توجهت “الإنتباهة” وفي يدها كافة تفاصيل القضية وعرضتها على طاولة وزارة البيئة لما تحتاجه من توضيح أكثر حول هاجس الصرف الصحي الذي صعب حله جذرياً , وقال وكيل وزارة البيئة عمر مصطفى لـ”الإنتباهة” إن وزارته وضعت دراسات علمية وقوانين لمعالجة إشكالات الصرف الصحي وتلوث مياه النيل, مشيراً إلى تحديث القانون لعام 2008م الذي وافق عليه المجلس الوطني ولكن بعد إحالته لمجلس الولايات تم إيقافه نسبة لإفادات اللجنة المختصة بأن هناك عدداً من النقاط تتعارض مع صلاحيات مجلس الولايات. وقال بالرغم من أننا نثق بعدم وجود تقاطعات إلا أننا وافقنا على حذف كل ما يتعلق بصلاحيات المجلس وإيجاز القانون. ولفت إلى أن القانون يشمل قضايا البيئة داخل وخارج العاصمة بما فيها الولايات التي لا يحكمها قانون يمكن أن تستفيد منه في شؤونها ، وأضاف أن القانون هو إطاري يسهم في حل القضايا بفورية وحسم ، نسبة لأن القانون ضمن العقوبات ومدتها ، وقال سبق أن كانت هناك مشكلة تلوث مياه في منطقة العزوزاب نسبة لاختلاط مياه الشرب مع الصرف الصحي, لكن تم تداركها في وقت وجيز وأنشئت آبار جوفية مطابقة للمواصفات من حيث العمق وكلورة المياه. .
هواجس المياه :
أدلى المجلس الأعلى للبيئة بمعلومات تطمئن المواطن إلى حد كبير فيما لم يستطع أن ينكر إشكالات الصرف الصحي وما يسببه من تلوث لمياه النيل. وقال وزير المجلس الأعلى للبيئة حسن اسماعيل لـ”الإنتباهة”مجلسه ينفذ فحوصات دورية في معامل المياه خاصة الآبار الجوفية, وأشار إلى أنه في فصل الخريف يكون الفحص أسبوعياً نتيجة الفيضانات, ولفت إلى إغلاق قرابة “1ـ 2″ بئر شهرياً حال وجود تلوث في المياه أو ملوحة زائدة ويكون الإغلاق نهائيا, لذا ترفع التوصية لهيئة المياه بإنشاء آبار بديلة حتى لا تكون هناك فجوة في المياه أو إشكالية تقابل المواطنين. وقال الوزير إن ” 60% “من سكان العاصمة يحصلون على المياه بواسطة الآبار بينما “40%” من النيل. لافتاً إلى سعي الهيئة أن يكون النيل المصدر الرئيس للمياه لكافة مواطني العاصمة .
أصل المشكلة :
ويواصل وزير المجلس الأعلى للبيئة حديثة حول إشكالات الصرف الصحي بالولاية, ويرجع ذلك إلى الاستخدام غير القانوني للأهالي في مختلف مناطق العاصمة في حفر آبار “السايفون” وأشار الوزير حسن إسماعيل في حديثه لـ”الإنتباهة” أن الأهالي يستخدمون “عربات الحفر الآلي” وهي ممنوعة بموجب القانون باعتبارها تحفر في عمق أكثر من المسموح به مما يفتح “أعين جوفية تصب مباشرة في النيل ” وأضاف أن تلك الآبار تربط مباشرة مع خور ابوعنجة الذي يصب بالنيل ، واستحسن الوزير الحفر اليدوي لتلك الآبار ، وقال لا تزال مشكلة الصرف الصحي بالعاصمة قائمة وهاجساً للجميع, ويرجع ذلك لعدم وجود شبكة مركزية معالجة وإن لم يتم انشاؤها في العاصمة ستظل المشكلة قائمة . وقال نلاحظ أن بعض المناطق بها محطات مركزية تعالج مياه الصرف الصحي لكن الأفضل أن تكون الشبكة مركزية تخص كافة الولاية .
الهيئة تنفي
أكدت هيئة مياه ولاية الخرطوم أن ما يُثار عن تلوث المياه من وقت لآخر في الوسائط الإعلامية المختلفة يفتقر للدقة ولا يستند إلى دراسات علمية ومعملية، وقال المستشار الفني للهيئة محجوب محمد طه إن ما ورد حول تلوث عدد من آبار المياه منافٍ للحقيقة الموضوعية، مبيناً أن الآبار الجوفية وغيرها من مصادر المياه السطحية تخضع للتحليل الكيميائي والجرثومي المتعارف عليه في المواصفات السودانية، مشيراً إلى أن الآبار الجوفية تحفر بطريقة هندسية تراعى فيها الجوانب الفنية من ناحية العزل من أية ملوثات سطحية أو عميقة تصل لمرحلة المياه الآمنة، موضحاً أن وزارة الصحة بالولاية تقف على عملية جمع العينات من كافة مصادر المياه للاطمئنان إلى نوعية المياه الموزعة، مبيناً أن التلوث يتم إثباته بأجهزة متخصصة قادرة على تحقيق أعلى قدر من الجودة، موضحاً أن المياه المنتجة في ولاية الخرطوم من المصادر النيلية والجوفية مطابقة للمواصفات السودانية وتخضع للمراقبة الصارمة على مدار اليوم، مبيناً أن أي تلوث يمكن إزالته بالكلورة، معتبراً المياه المنسابة في شبكات المياه والخطوط الناقلة مؤمنة من التلوث.
تحقيق: نجلاء عباس
الخرطوم(كوش نيوز)