تحقيقات وتقارير

15 عاما من الصراع الدامي في دارفور.. هل اقترب الحل؟ (إطار)

تتزايد الآمال في أن يقود لقاء مرتقب بين الحكومة السودانية، وحركات التمرد المسلحة في إقليم دارفور (غرب)، بالعاصمة الألمانية برلين، اليوم الإثنين وغدا الثلاثاء، في إنهاء صراع عمره 15 عاما، خلف 300 ألف قتيل، وشرّد نحو 2.5 مليون شخص، وفقا لإحصائيات أممية.

والثلاثاء الماضي، أعلنت الخرطوم أنها تسلمت دعوة رسمية، للقاء حركات دارفور المسلحة في برلين، فيما تحدث مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، الجزائري إسماعيل شرقي، قبل ذلك بيوم واحد، عن اتخاذ تدابير للتعامل مع الحركات المسلحة حال رفضها اللحاق بعملية السلام، واصفا لقاء برلين بـ “الفرصة الأخيرة للانضمام للعملية السلمية في الإقليم”.

وفي 4 أبريل/ نيسان الجاري، أعلن رئيس حركة “العدل والمساواة” المتمردة، جبريل إبراهيم، عن اجتماع تمهيدي يجمع حركات دارفور بمسؤولين في الحكومة السودانية منتصف هذا الشهر بألمانيا، التي قدمت لهم الدعوة لحضور لقاء برلين.

ورفضت الحركات المتمردة الثلاثة في دارفور (حركة تحرير السودان بقيادة أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان/جناح عبد الواحد نور) الانضمام لوثيقة سلام برعاية قطرية في يوليو/ تموز 2011، بينما وقَّعت عليها حركة “التحرير والعدالة” بزعامة التجاني سيسي.

ويحد إقليم دارفور ليبيا (شمال غرب)، وتشاد (غرب)، وجنوب السودان (جنوب)، وإفريقيا الوسطى (جنوب غرب).

وساهم هذا الموقع في إطالة أمد الصراع بالإقليم في ضوء التداخل مع الدول المجاورة، والصراعات التي شهدتها هذه الدول.

وتبلغ مساحة دارفور، 493 ألف و180 كلم²، وساعد كبر مساحة الإقليم في تأجيج الصراع وانتشاره في الإقليم المثخن أصلا بجراحات النزاع القبلي (بين الرعاة والمزارعين) حول المرعى والأرض والمياه قبل اندلاع حرب التمرد.

وتركيبة دارفور السكانية، تنقسم إلى قبائل إفريقية وأخرى عربية، بعضها مستقر، والأخرى من البدو الرحل الذين يمتهنون الرعي، وهؤلاء من اتُهمت الحكومة بتدريبهم للقتال إلى جانبها ضد القبائل العربية الأخرى ويطلق عليهم “الجنجويد” (أي جن يركب جواد، ويحمل سلاحا، بحسب بعض التفسيرات)، وظلت حكومة الخرطوم تنفي أي صلة تربطها بهؤلاء المقاتلين.

ويُتهم الجنجويد، من قبل البعض بأنهم لا يمثلون أية قبيلة، وهم أفراد غير منضبطين ينحدرون من عدة قبائل ولا يلتزمون بقواعد العرف المحلي ويمارسون النهب المسلح.

وقال المفكر الإسلامي المصري محمد سليم العوا، بعد زيارته لدارفور في 2004، إنه “صراع على المرعى والماء وأماكن الإقامة، أي الحواكير (ملكية القبيلة للأراضي)، تحول إلى صراع مُسيس”.

فيما يرى آخرون، بينهم المفكر الإسلامي عبد الوهاب الأفندي، في كتابه “أزمة دارفور نظرة في الجذور والحلول الممكنة” ( 2009) أن الحرب أسبابها سياسية نتجت عن قرارات اتخذت من قبل الحكومة وحركة التمرد في الجنوب (الحركة الشعبية لتحرير السودان)، وبعض القوى السياسية في دارفور، هذه القرارات كلها مجتمعة أدت إلى انفجار الأزمة بصورتها الماثلة.

إلا أن المعارض السوداني البارز الحاج وراق، قال في تصريحات صحفية سابقة إن “الأزمة في دارفور، أزمة قبول التعدد، تترافق مع عجز تنموي”.

وأضاف “عندما تحرم الناس من حقوقهم الأساسية، المواطنة المتساوية، وفي التنمية، والحياة، والحريات والحقوق المدنية والسياسية، لهؤلاء الناس الحق في المقاومة بشتى أساليبه وأشكاله”.
ويعرض هذا الإطار تسلسلا زمنيا لأهم محطات الصراع في دارفور منذ 2003 وحتى 2018.

**2003 بدأ الصراع في إقليم دارفور في أبريل /نيسان 2003، عندما ثار متمردون ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير، بدعوى تعرضهم للتهميش، وأعلنت حركتان مسلحتان هما حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة تمردهما، وهاجم مسلحو الحركتين مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور (العاصمة التاريخية للإقليم)، ونجحوا في تدمير 7 طائرات بمطار المدينة.

ورغم نفي الحكومة السودانية توغل المتمردين داخل المدينة، أو اعتقال أي مسؤول حكومي في الهجوم الذي اعترفت أنه أسفر عن تحطم 4 طائرات فقط ومقتل 32 من القوات الحكومية، إلا أن الحرب دقت طبولها بالفعل، لتخلق واقعا جديدا من القتل والنزوح والتشرد في الإقليم دام 15 عاما.

وأربك التمرد، خطط الحكومة، التي نجحت آنذاك في إحراز تقدم في مفاوضاتها مع حركات التمرد جنوبي البلاد، مهدت فيما بعد للوصول لاتفاق سلام مطلع 2005 قاد لانفصال جنوب السودان في 2011.

**2004

وفي 2004 طالب مجلس الأمن الدولي، في قرار بشأن دارفور، الحكومة السودانية بنزع أسلحة مليشيا الجنجويد، وبرز وقتها اسم “الشيخ موسى هلال، ناظر (زعيم) قبيلة المحاميد العربية بدارفور، بوصفه زعيم المليشيا وهو ما ظل ينفيه الرجل عن نفسه.

كانت أخبار الحرب في دارفور تتصدر وقتها اهتمام العالم، ونشطت بعض الحكومات الغربية ومنظمات المجتمع المدني في تحريك القضية دوليا، وقابلها رفض حكومي لكل ما هو متداول، واتهمت الخرطوم واشنطن والغرب بتزييف الحقائق، رافضة أي مطالب بنشر قوات حفظ سلام أممية لحماية المدنيين في دارفور، قبل أن توافق في نفس العام على نشر قوات تابعة للاتحاد الإفريقي في الإقليم الذي يموج بالاضطرابات.

**2005- 2006 يؤرخ هذا العام لبدء المحكمة الجنائية الدولية (مقرها لاهاي) تحقيق بشأن جرائم الحرب في دارفور بتفويض من مجلس الأمن الدولي وفق القرار (1593)، وأيضا قوبل ذلك برفض السودان، وعدم الاعتراف بسلطة الجنائية.

وتوالت قرارات مجلس الأمن بشأن دارفور، طوال 15 عاما الماضية، كان لبعضها تأثيرا مثل القرار (1556) لعام 2006، الذي فرض العقوبات، وتمثلت في حظر توريد وتصدير المعدات العسكرية للقوات المتقاتلة في دارفور.

لم تكن أوضاع المتمردين تسير بشكل جيد، وانقسمت حركة تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد نور، إلى فصيلين، تولى أركو مناوي، القائد الميداني أحدهما، وعاد إلى الخرطوم بعد توقيعه “اتفاق أبوجا” في نيجيريا، بوساطة إفريقية في 2006، إلا أن جناح نور، وحركة العدل والمساواة رفضا اتفاقية أبوجا.

**2008 شهد نشر الأمم المتحدة تقريرا قدرت فيه عدد القتلى منذ اندلاع الحرب بنحو 300 ألف قتيل مع نزوح 2.5 مليون شخص من قراهم من أصل ما يزيد عن 7 ملايين نسمة، لكن الحكومة رفضت التقرير وقالت إن عدد القتلى لم يتجاوز 10 آلاف شخص.

كما نشرت بعثة حفظ السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي (يوناميد) قوات قوامها 20 ألف جندي، وقوات من الأمن وأعداد من الموظفين، من مختلف الجنسيات في دارفور.

**2009- 2010

اتخذت أزمة دارفور بعدا جديدا، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرين باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير في 2009 و2010، لاتهامه بـ”تدبير إبادة جماعية، وأعمال وحشية أخرى” في إطار حملته “لسحق تمرد” في إقليم دارفور.

لكن البشير، الذي يحكم السودان منذ 1989، يرفض سلطة هذه المحكمة، وتحداها أكثر من مرة عبر السفر داخل الشرق الأوسط وإفريقيا.

وشهد 2010 ما وصف بانتكاسة لعملية السلام الجزئية، بعد إعلان مناوي، عودة حركته لساحات القتال، مؤكدا نهاية اتفاقية أبوجا للسلام مع الحكومة السودانية.

وتزامنت تلك التطورات مع بدء محادثات كانت ترعاها قطر بين الحكومة وحركة العدل والمساواة، بينما رفضت حركة نور، المشاركة فيها، ولم تسفر المفاوضات عن اتفاق، لكن مجموعات منشقة عن حركات التمرد الثلاث الرئيسية، انتظمت في حركة واحدة باسم “التحرير والعدالة”، بزعامة التجاني سيسي.

**2011

قادت مفاوضات الدوحة التي استمرت قرابة 30 شهرا برعاية أممية وإفريقية، إلى توقيع حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، على اتفاق سلام رفضت بقية الحركات الانضمام إليه.

وبناء على اتفاق الدوحة شُكلت سلطة إقليمية في دارفور، آلت رئاستها إلى التجاني سيسي، وتقلد عدد من معاونيه حقائب وزارية، ونص الاتفاق أيضا على إجراء استفتاء يحدد الوضع الإداري للإقليم.

وأحد الحركات الرئيسة في دارفور، هي حركات العدل والمساواة، التي تميزت بقوة عسكرية كبيرة على الأرض لدرجة أن قواتها وفي مفاجأة كبرى وصلت للعاصمة الخرطوم في 2008، ولكن القوات الحكومية تمكنت من صد الهجوم.

وفقدت هذه الحركة قائدها العسكري والسياسي خليل إبراهيم، في غارة جوية، لم تعلن الحكومة عن تفاصيلها، واختارت العدل والمساواة شقيقه جبريل خلفا له.

وعقب انفصال جنوب السودان في 2011، شكل مقاتلون منحازون لجنوب السودان ( الحركة الشعبية / قطاع الشمال) المتمردة، حلفاً عسكريا مع حركات دارفور الثلاث الرئيسية.

**2014- 2018

في 2014، دعا الرئيس البشير، إلى حوار وطني شامل، برعاية الاتحاد الإفريقي، الذي فوض بدوره الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو أمبيكي لإنجاحه، انتهت فعالياتها في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وتشكلت حكومة وفاق وطني لاحقا في مايو/آيار الماضي، نتيجة لهذا الحوار، الذي قاطعته حركة نور.

وبالتزامن مع تلك المفاوضات التي أجرتها الخرطوم مع حركات دارفور، انطلقت مباحثات أخرى تضم الحركة الشعبية/قطاع الشمال، التي تقاتل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

إلا أن هذه المفاوضات لم تسفر عن شيء رغم أنها انحصرت في ملفات وقف العدائيات وإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الحركات المسلحة.

ووسط هذا الانقسام، تمكنت الحكومة في أبريل/ نيسان 2016، من تنظيم استفتاء كان آخر المراحل التي نص عليها اتفاق الدوحة، وذلك لتحديد الوضع الإداري لدارفور بين إقليم واحد بصلاحيات واسعة، أو الإبقاء على وضعه الإداري كما هو بولاياته الخمسة.

ورغم دعوات الحركات المسلحة لمقاطعة الاستفتاء، صوت الدارفوريون لصالح الإبقاء على الوضع الإداري القائم في الإقليم.

وخلال الفترة الأخيرة كررت الحكومة السودانية، حديثها بأن التمرد انتهى في دارفور إلا من جيوب صغيرة في جبل مرة، بولاية غرب دارفور، وهو ما تنفيه الحركات المسلحة.

وتتهم الحكومة مقاتلي الحركات المسلحة، بأنهم تحولوا إلى مرتزقة يقاتلون في ليبيا، التي تشهد عدم استقرار منذ سقوط نظام القذافي في 2011.

ويشهد إقليم دارفور تحسن ملحوظا في الأمن بحسب عدد من المسؤولين الدوليين، وذلك نتيجة لوقف إطلاق النار بين الحكومة والحركات المسلحة من جانب واحد من كل طرف، والذي يمدد كل فترة من كل طرف.

و18 يونيو/ حزيران 2016، أعلن الرئيس السوداني، حسب وكالة الاناضول – وقف إطلاق النار في مناطق الصراع الثلاث (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق)، لمدة 4 أشهر، لإتاحة الفرصة للحركات المتمردة للحاق بالحوار الوطني.

وفي 28 مارس/ آذار 2018، قرر البشير، تمديد وقف إطلاق النار في مناطق الصراع الثلاث مع حركات التمرد المسلحة غربي وجنوبي البلاد، لثلاثة أشهر إضافية، تنتهي في 30 يونيو/ حزيران 2018.

والإثنين الماضي، قال مفوض السلم والأمن الإفريقي إسماعيل شرقي، في مؤتمر صحفي، بالفاشر، إن اللقاء المزمع عقده مع الحركات المسلحة في دارفور في برلين، هو الفرصة الأخيرة للانضمام للعملية السلمية في الإقليم.

وأضاف “شرقي”، أن “مفوضية السلم والأمن الإفريقي، ستتخذ التدابير اللازمة للتعامل مع الوضع في حال عدم موافقتها (حركات التمرد) للحاق بركب السلام”.

وفيما أعلنت الحكومة السودانية أنها تسلمت دعوة رسمية، للقاء الحركات الدارفورية في برلين، المزمع عقده، اليوم وغدا، أكدت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل، وتحرير السودان بزعامة مناوي، تلقيمها الدعوة لحضور الاجتماع التمهيدي.

وفي انتظار ما سيسفر عنه لقاء برلين بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة، تبقى دارفور شاهدة على حرب مكلفة أزهقت فيها أرواح الآلاف، وشردت مئات الآلاف، على مدى 15 عاما من الجرح الدارفوري النازف.
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى