أبرز العناوينحوارات

قصة الانقلاب الغامض وبمشاركة “امرأة”لأول مرة في تاريخ الانقلابات العسكرية

(18 يونيو 1989م)، تاريخٌ لا يُوحي بشيء، سوى أنه تاريخٌ يسبق انقلاب الإنقاذ بـ12 يوماً، بيد أن ذاكرة الخرطوم تستدعيه بما يُعرف بانقلاب المايويِّين، وشارك فيه الفريق الزبير محمد صالح، الذي تم إلقاء القبض عليه وقتذاك، قُبيل انقلاب 30 يونيو، وتمَّ اعتباره من قِبَلِ الكثيرين الانقلاب التمهيدي للإسلاميين لقراءة الوضع وردَّة فعل النظام الديمقراطي. قبل أن تنجلي الحقائق بحصاة صغيرة ألقى بها الصحفي عبد الرحمن الأمين، في كتابه (ساعة الصفر)، ليَتعاظَم الجدل حول حقيقة الانقلاب. (السوداني) الصادرة يوم الأحد ، اصطادت أحد أبرز مُهندسي انقلاب استعادة مايو، العقيد أمن (م) صلاح نقد، والرائد أمن (م) محمود عبد الرحمن.

لماذا تأخر انقلابكم أو تحرككم المُضاد لقرابة الـ3 سنوات من الانتفاضة؟
(صلاح): ليس تأخراً بالمعنى، ولكنَّ أيَّ تحرُّك يحتاج إلى ترتيبات دقيقة بالضرورة، وقراءة حصيفة للظروف دون تعجُّل، خصوصاً أن ظروف ما بعد الانتفاضة كانت صعبة وبرزت العديد من القضايا كالفلاشا وحل جهاز الأمن، ما يجعل الأمور ذات حساسية عالية. كما أن الثلاث سنوات فترة حدثت فيها مستجدّات كثيرة، ما أوجب التأني في التخطيط، والانتظار المضني لتتهيَّأ الظروف، بالإضافة إلى ضمان توفر كُلِّ مقومات نجاح الانقلاب.

وهل كان جعفر نميري يُتابع تفاصيل الترتيب للانقلاب؟
(صلاح): كان في مصر، مدركاً بأن العملية ليست بسيطة، لذا كان يرفض التعجُّل، الذي يمكن أن يودي بحياة المُنفِّذين.

هل كانت المعلومات عن الانقلاب معروفة لجهات في الدولة؟
(صلاح): لا بل سريَّة جداً.. ولعلَّ هذه هي المرة الأولى التي يتمُّ فيها التطرُّق لتفاصيل تحرُّك 18 يونيو 1989م، لذا اعتبره الكثيرون أمراً خيالياً وتحركاً غير حقيقي.

كيف كانت الأجواء في الخرطوم وقتها؟
(صلاح): كانت مترعة بالإشاعات، وكان يتردَّد بأن لدى الصادق المهدي ميليشيات في الخرطوم، وهو الأمر الذي تعاملنا معه بجدية، لذا كانت تحرُّكاتنا سرية تماماً ومُحكَمة.

كيف بدأت فكرة الانقلاب؟
(صلاح): الواقع آنذاك كان يقول بأن الوضع أصبح صعباً جداً.. الجنوب يتساقط، والجيش مُعدَم حيث لا سلاح أو زي يرتديه الجنود، أي أن فترة الطائفية كانت سيئة والأوضاع مؤسفة. بالتالي كان طبيعياً التفكير في التحرُّك سواء من أي حزب أو أي جهة مدنية تكون وراء انقلاب عسكري بالنظر إلى أوضاع البلد. كل هذه العوامل ساهمت في بروز الفكرة خصوصاً أن الجيش هو حامي الوطن.

من صاحب المبادرة، أنتم أم نميري؟
(صلاح): المبادرة جاءت منا نحن.. فالرئيس نميري كان في القاهرة، وحتى يمكن القيام بالتحرُّك كان لا بدَّ من وجود اتصالات وتنسيق، الأمر الذي فرض على قائد التحرُّك الذهاب إلى هناك واللقاء به.

ومن هو قائد التحرُّك؟
(صلاح): قائد التحرُّك هو العميد أحمد فضل الله.

أحمد فضل الله أم الزبير محمد صالح؟
(صلاح): بل أحمد فضل الله، أما الزبير فكان من قادة الانقلاب فقط.

ومن هو أحمد فضل الله؟
(صلاح): أحمد فضل الله أحد الضباط المايويين وكان في رتبة العميد، ومعروف بشجاعته وصراحته للحد الذي كان يتحدَّث فيه عن الانقلاب أمام الجميع، وإذا لم تَخُنِّي الذاكرة فإنه ينتمي إلى سلاح الإمداد بالقيادة العامة.

في القاهرة، ماذا دار بين أحمد فضل الله والنميري؟
(صلاح): أحمد فضل الله التقى بالرئيس نميري في القاهرة، ولخص له الوضع في السودان بأنه مهيأ للقيام بانقلاب ومن أكثر من جهة كالبعثيين والشيوعيين. وأوضح للنميري أن أقرب الناس للتحرُّك هم المايويون بحكم أنهم ظلوا مسيطرين لـ16 عاماً، وأن الناس أصبحت تُقارن بين فترته وبين الوضع الحالي، وتبحث عن بديل.

وماذا كان رد فعل الرئيس نميري؟
(صلاح): الرئيس النميري وجهه بالاتصال بنا في الخرطوم.

ومتى حدث أول اجتماع لكم؟
(صلاح): بالنسبة لنا كضباط أمن، ممثلين في شخصي صلاح نقد، والمرحوم العميد أمن (م) محمد عبد العزيز وأخي الرائد أمن محمود عبد الرحمن، لم نجتمع إلا عقب اتصال العميد أحمد فضل الله بي تنفيذاً لتوجيهات الرئيس نميري.

وكيف التقى بك؟
(صلاح): وقتها كنت قد أُحِلْتُ للمعاش، وامتلكت محلاً للإسبيرات في شارع محمد نجيب، فاتَّصل بي والتقينا وأخبرني بالخطة كاملة ومن هم معنا.

وماذا عن الجيش؟
(صلاح): حقيقة اجتماعاتهم كانت تتم بعيداً عنَّا نحن كضباط أمن، وبحكم أن ضباطنا في الجيش كثر، إلا أن معلومة التحرُّك لم تكن متاحةً للجميع، لذا سعى الكثيرون من هؤلاء الضباط للتقرُّب منَّا لمعرفة المعلومات واتجاهاتها، وكان فيهم المرحوم كمال مقلد.

أي أن الترتيب بدأ من الجيش وليس الأمن؟
(صلاح): نعم من الجيش.

هل كانت هناك خلايا تابعة لنميري في الجيش؟
(صلاح): نعم كانت هناك خلية تابعة لنميري، ونجحت في استقطاب أُناسٍ مُحدَّدين من بقية الأسلحة في المُدرَّعات والمظلَّات.

كيف كانت مشاركة جهاز أمن نميري في التحرُّك؟
حقيقة المشاركة ليست كبيرة، وإنما البعض فقط، أنا والعميد محمد عبد العزيز والرائد محمود عبد الرحمن، وبعض من تم اعتقالهم من زملائنا الآخرين الذين لم يكونوا جزءاً من التحرُّك بالأساس، ولم يكونوا يعرفون ماذا سيحدث.

بعد اجتماع التعارف والاتصال، أين اجتمعتم أوَّلَ اجتماعٍ لتنويركم حول التحرُّك وساعة الصفر؟
(محمود): العسكريون كما قال صلاح كانوا يجتمعون بشكلٍ مُنفصل، ونحن كأمن يتم إخطار مجموعتنا عن طريق- صلاح نقد- وكانت اجتماعاتنا تتمُّ في منزلنا بالسجانة، حيث ينضم لنا عبد الغفار النميري والمقدم محيي الدين عبد الله. وكنت مسؤولاً عن تسجيل أشرطة خطب الرئيس، وكنت أُسافر إلى القاهرة وأحضرها معي من هناك.

وكيف كُنتَ تُدخلها إلى البلاد؟
(محمود): كنت أقوم بإدخالها بطريقة غريبة، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك تفتيش إلكتروني، فكنت ألجأ إلى استغلال ندرة الفواكه في السودان، فأحمل حقيبة ممتلئة بالتفاح أو العنب وأضع الشرائط (الماستر) أسفلها أو في أرضيَّتها وفوقها الفاكهة، ولأن مُفتِّشي الجمارك آنذاك لم يكونوا عسكريين، كنت أتوجه إلى المُفتِّشات تحديداً، حيث كانت الواحدة منهن تفتح الحقيبة وعندما تجد التفاح تستأذن في أن تأخذ واحدة، إلا أنني أُصرُّ على أن تأخذ أكثر من واحدة.
-ضحك-
وواصل حديثه:
ومن ثم يتمُّ تمرير الحقيبة لتدخل الشرائط، وبعد ترتيب الوضع أقوم بصنع نسخة من الشريط (الماستر) وأُسلِّمها إلى بدرية سليمان، ومن ثم تعمل هي على توزيعها بوسائلهم كمدنيين.

هل كانت بدرية سليمان جزءاً من الانقلاب؟
(صلاح): نعم، كانت جزءاً من الانقلاب ضمن مجموعة المدنيين، وكانت اجتماعاتهم تتم بمعزل عنَّا.

وما هو دور بدرية في الانقلاب تحديداً؟
(صلاح): دورها كان كبيراً جداً، إذ أننا كُنَّا نطبع البيانات في مكتبها، وتقوم هي بتوزيع شرائط خطب الرئيس.. بل إن البيان الأول المعني بتسجيله الرائد محمود عبد الرحمن، كان يفترض أن يُسجَّل في مكتبها بمنزلها بالفتيحاب، وتم تجهيز العلم وصورة الرئيس نميري بالزيِّ الرسمي.

من معكم من المدنيين شاركوا في الترتيب لهذا الانقلاب؟
(صلاح): كمال الدين محمد عبد الله، وعوض الجيد محمد أحمد، وبدرية سليمان، حيث كنا نجتمع ببيتها ومكتبها، وكذلك حمد سليمان حسن وكان معنياً بكتابة (عائد عائد يا نميري) في شوارع الكلاكلة، بالإضافة إلى د.مالك حسين.

وما علاقة د.مالك حسين بالانقلاب؟
(محمود): لا نعرف على وجه الدقة، لكن من المُرجَّح أنه انضمَّ عن طريق عوض الجيد، أو ربما عن طريق الرئيس نفسه وهو المُرجَّح، لأن تحالف قوى الشعب في بداياته كان في منزل مالك حسين ببُرِّي.

ألم يكن معكم ضُبَّاطٌ كِبارٌ من جهاز أمن نميري في التخطيط للانقلاب؟
(محمود): فقط حسن بيومي، إذ كُنَّا نقوم بتنويره ليكون مُلمَّاً بالتفاصيل، بالإضافة إلى العميد أمن أحمد الجعلي بحكم أنهم كانوا قادتنا.

الملاحظ غياب القيادات المعروفة في مايو.. لماذا لم تشركوهم في الأمر؟
(محمود): خالد حسن عباس وبهاء الدين أحمد أدريس ومصطفى علي، كانوا في سجن كوبر بينما كان أبو القاسم أحمد إبراهيم في سجن شالا، أما مأمون أبو زيد فلم يكن مُهتمَّاً.

قلت إن الرئيس نميري كان في القاهرة، فمَن كان حلقة الوصل بينكم وبينه؟
(صلاح): شخصي، بحكم أنني ذهبت إلى مصر في 1988م، وقضيت شهراً هناك. كما كان هناك الرائد محمد عثمان عبد الحميد، وكان يعمل بالقنصلية، والتقى بالنميري وظل ملازماً له، ومن فرط حبه له سمَّى ابنه جعفر محمد نميري كاملاً في شهادة الميلاد، وكان حلقة الوصل.
(محمود): بالإضافة إلى شقيقي المرحوم محمد عبد الرحمن، وكان يعمل في هيئة التكامل بين مصر والسودان، حيث كان بمثابة المستشار الإعلامي للرئيس نميري وكان يكتب له الخطب والبيانات.

كيف كُنتم ترسلون التقارير؟
(صلاح): في هذا الأمر يبرز د.مالك حسين، إذ كنا نرسل التقارير بالفاكس عن طريق مكتبه، وكذلك عبر مكتب ابن عم الرائد محمود عبد الرحمن، وهو إسماعيل عبد الله بالبنك السوداني الفرنسي.
نواصل

في الحلقة الثانية من الانقلاب الغامض المعروف بانقلاب الزبير محمد صالح.. (السوداني) تغوص في تفاصيل انقلاب 18 يونيو 1989م..
وتكشف أول المستهدفين بالاعتقالات، وتجيب على سؤال كيفية إعلان نجاح الانقلاب؟
من هو (الدرويش المتسول)، وما الهدف من هذا التنكر؟
وما هي خطة ضباط أمن نميري لإعادة الجهاز؟ وهل كانوا ينوون تنفيذ اغتيالات؟
ما المفاجأة التي وجدها الانقلابيون في مكتب بدرية سليمان وتسببت في إلغاء تسجيل البيان الأول؟
وماذا قال النميري لدى سؤاله عن الشريعة الإسلامية؟

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى