تحقيقات وتقارير

العِلَّة في البنك

في ديسمبر 2012 أعلن محافظ بنك السودان “محمد خير الزبير” الحرب على تجار العملة بالسوق الأسود، ووصفهم بالخارجين عن القانون. وقال: (ديل ناس ما مسؤولين)، مهدداً باتخاذ إجراءات عقابية في مواجهة المخالفين. قبل أربعة أشهر أعلنت الحكومة عن حزمة قرارات وإجراءات صارمة لضبط سعر صرف العملة الوطنية وإزالة التشوهات الاقتصادية، تشمل توجيه تهم للمتعاملين في مجال تجارة العملات وتهريب الذهب والسلع المدعومة، بتخريب الاقتصاد وتمويل الإرهاب وغسل الأموال، هذا الكلام يحمل نفس معنى حديث محمد خير الزبير قبل سبع سنوات. ما يحدث في السودان-حس المدارية – في القطاع المالي والاقتصادي هو نتيجة طبيعية للمناخ الفوضوي الذي وفرته الحكومة واستغلاه كل مجرم وعديم ضمير وفاسد ليغتني، وقد جسدت تلك الفوضى شركات الأدوية التي احتالت على بنك السودان المركزي بكل بساطة ولم يكتشفهم حتى وقع الفأس في الرأس، وظهرت مشكلة الدواء. والفوضى التي تسمح بوقوع مثل هذه الأخطاء لا شك أنَّ لها علاقة بتجاوز القوانين واللوائح، والمجاملات واستغلال السطة وغيرها. قبل أيام أعلن بنك السودان المركزي قراراً بحظر وتجميد أرصدة (80) شخصاً وعمم نشرة على فروع المصارف، لوقف التعامل مع أولئك الأشخاص اعتباراً من تاريخ إصدار القرار، وإفادته بالرصيد القائم بصورة عاجلة. القرار تم ضمن إجراءات يهدف البنك من خلالها لمحاصرة من أسماهم بتجار العملة و المتلاعبين بحصائل الصادر. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، وماذا بعد التجميد؟ وهل هو الحل؟.. في حقيقة الأمر الخطأ ليس في أولئك الناس الذين فرعنت الحكومة بعضهم وسهلت لهم طرق استغلال الدولة عبر مناخ الفوضى الذي تعيشه، وأغلقت أبواب الرزق الشريف بالطرق المستقيمة أمام آخرين وتركتهم يتكسبون من وراء أي عمل. والمجموعتان ما هما إلاَّ شماعة تعلق عليها الحكومة أخطاءها وفشلها وفسادها لتقنعنا بأنها شريفة ومهتمة بالمصلحة العامة، مع أنَّ ما تقوم به ما هو إلا معالجة للأخطاء بأخطاء أخرى أفدح منها. وما يقوم به بنك السودان ما هي إلاَّ (هوشة) تنتهي بالتسويات والمجاملات، والتستر حسب فقه الحكومة. يجب أن تعترف الحكومة بأنَّ كل الفساد والإخفاقات والتجاوزات المستمرة التي تقع في شتى المؤسسات سببها الأول هي نفسها، فقد تحول الأمر إلى ثقافة وجزء من تركيبتها، وتكسير القوانين واللوائح في السودان يرتكبه المسؤولون قبل المواطنين، وما يحدث من مشاكل مالية هي أعراض لمرض حقيقي تعاني منه الحكومة، ولا يعالج بمعاقبة المواطن المخطئ فقط. عموماً إن كان لبنك السودان المركزي سياسات قوية وتطبق بصرامة وهدفها تحقيق مصلحة البلد وليس الأفراد، لما اضطر محافظ بنك السودان قبل 7 سنوات أن يهدد بمعاقبة تجار العملة، ولما اضطرت الحكومة لتعيد نفس الكلام كل مرة، ولما ظهر تجار عملة ولا شركات أدوية وهمية ولا متلاعبون بالمصالح الاقتصادية. وما يواجهه بنك السودان المركزي من إشكالات تثبت أنَّ الخلل فيه هو كمؤسسة حكومية، فكل خطوة تتم في البنك يفترض أنها تتم وفقاً لإجراءات تحكمها القوانين، وبما أنَّ هناك خطوات تمت بتجاوزات فلا شك أنَّها بفعل فاعل يتبع للبنك. وعليه فإنَّ الحل في تصحيح مسار بنك السودان وعلاج الأزمة الاقتصادية، وما يقوم به البنك الآن من إجراءات لن يعالج المشكلة الأساسية، فتسكين الأعراض لا يعالج المرض
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى