تحقيقات وتقارير

(الخلطة السحرية)…ضمانات منع عودة الحكومة من (الشباك) بعد الخروج من (الباب)

(الخلطة السحرية) تُفكر الحكومة الآن في التخلص نهائياً من أسلوب الاحتكار، وتخطط لمشاركة القطاع الخاص، غير أن المدرسة الجديدة قد تضع موارد البلاد في جيوب (عائلات)، وهي أيضاً تُثير أسئلة حول ضمانات منع عودة الحكومة من (الشباك) بعد الخروج من (الباب)

باتت الحكومة على يقين بفشل نتائج مدرسة احتكار الاقتصاد، فقد شكلت النتائج الكارثية للإدارة الاقتصادية في الآونة الأخيرة، حافزا رئيسيا لأن يُعاد النظر من جديد في الرؤية الاقتصادية التي ظلت الحكومة تنتهجها منذ التسعينيات على الرغم من أن الإدارة السياسية ظلت تزعم طيلة السنوات الماضية بأن سياسة السوق الحر و”التحرير الاقتصادي” هي الرؤية المعتمدة لدى النظام الحاكم، بيد أن واقع التجربة أظهر أن الدولة ظلت هي المُسيطر الخفي لكافة الأنشطة الاقتصادية خصوصا في جانب استغلال الموارد الكبيرة ذات الربحية العالية، بل حتى الخدمات التي يُعتقد أن القطاع الخاص هو صاحب اليد الطولى فيها، يتعرض لمنافسة غير عادلة عبر شركات شبه حكومية أو بواسطة أفراد يحظون بالنفوذ السياسي.
(1)
تكثف الحكومة هذه الأيام من حملة الترويج لمشروع قانون جديد للشراكة مع القطاع الخاص، ويهدف القانون في الأساس إلى خروج الحكومة من كل أشكال التجارة والاستثمارات والإنتاج، وتركها للقطاع الخاص، بما فيها أنشطة تنموية مثل مشروعات الكهرباء والمعادن والنفط والزراعة والصناعة والبنى التحتية، بينما تختص الحكومة فقط بتقديم الخدمات والرقابة.
ويُعتقد أن الخطوة تعتبر خليطا بين اقتصاديات السوق الحر واقتصاديات السيطرة الحكومية على الأنشطة الاقتصادية، ويساند هذا الاتجاه البنك الدولي الذي يقود رؤية عالمية لإحداث شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، بما يضمن إشراك رجال المال والأعمال في مشاريع التنمية الكبرى والاستراتيجية وإعطائهم الأولوية في برامج الدولة الاقتصادية.
بيد أن مشروع القانون، ما يزال يُنظر إليه بكثير من الشكوك والتساؤلات، إذ يخشى أن يؤدي خروج الدولة كاملا من النشاط الاقتصادي إلى سيطرة القطاع الخاص على موارد البلاد، خصوصا وأن القطاع الخاص في السودان ما يزال ناميا ويعتمد في إدارته على (عائلات) محدودة، وأن قدراته التمويلية لا تناسب مشروعات التنمية الكبرى التي تحتاجها البلاد، فضلا أن هنالك كثيرا من السلع لا تستطيع الحكومة الخروج من إدارة نشاطها لعدم قدرتها على تحمل “التكلفة السياسية” في حال عجز القطاع الخاص عن إدارتها بكفاءة ورشد، وقد جربت الحكومة هذا الاتجاه بعد إجازة موازنة هذه السنة عندما خرجت من سوق القمح، لكنها سرعان ما عادت إلى إدارته بعد احتجاجات شعبية.
وفي ظل سيادة مفهوم “الدولة القطرية” في السودان وتعقيدات انخراط البلاد في مفهوم “العولمة الاقتصادية”، فإن ترك المجال الاقتصادي كاملا للقطاع الخاص الذي سيضطر إلى طلب التمويل والخبرة الأجنبية من الشركات متعددة الجنسيات، قد يعرض البلاد إلى خطر “التدويل الاقتصادي”، وهو الأمر الذي يرى كثير من الاقتصاديين أن السودان ليس مستعدا لمواجهته، بل إن النظام السياسي الحاكم نفسه لن يسمح بحرية اقتصادية بهذا القدر، لأنها ستقود إلى فقدانه السيطرة على أمور البلاد السياسية.
(2)
يتفق كثير من خبراء الاقتصاد بمن فيهم مخططون للحكومة، على أن مشروع قانون الشراكة بين القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص، قد يمثل (الخلطة السحرية) التي تُنقذ اقتصاد البلاد من كبوته الأخيرة، وأنه هو “المدرسة الجديدة” التي سيتبعها السودان في طريق تحقيق التنمية المتوازنة.
وفي هذا الخصوص يدار هذه الأيام حوار متواصل بين كافة الفعاليات ذات الصلة بالشأن الاقتصادي حول حزمة بنود طرحت في مشروع قانون سيقدم قريبا إلى البرلمان لإجازته.
وفي هذا الإطار نظمت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بالتعاون مع مركز مامون بحيري للدراسات والبحوث، ورشة تعريفية حول أجندة الحوار بين القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص، والشراكة بين القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص.
وزير الدولة السابق بوزارة المالية، الفاتح علي صديق، رأى في ورقة بالورشة التي عقدت الأربعاء الماضية، أن أهم مزايا الحوار الممنهج بين الحكومة والقطاع الخاص، تتمثل في اصلاح بيئة الاستثمار، والمساعدة على تصميم السياسات السليمة، وسهولة تنفيذ الإصلاح، وتقليل المخاطر السياسية للقطاع الخاص، إلى جانب بناء الثقة والتفاهم، كما أن الحوار من شأنه أن يحسن من جودة النصائح، مؤكدا على أن الدولة صارت غير قادرة على إدارة العديد من الأنشطة الاقتصادية، وأن الحاجة للقطاع الخاص ملحة وذات جدوى.
لكن الوزير السابق الذي يقود ضمن وحدة مختصة، جهود تحقيق الشراكة بين القطاعين، يشير إلى مشكلات ومخاطر تواجه هذا الاتجاه، أبرزها في احتمالات عدم توفر الارادة السياسية، قائلا: “يمكن أن يختطف مجموعة من رجال الأعمال منصات الحوار ويوجهونها لخدمة مصالح فردية أو فئوية”، إضافة لعدم مقدرة الحوار أن يستمر أو يدوم، مشيرا إلى أن هناك حالات يكون فيها التغيير والإصلاح المطلوب ضخما بحيث تعجز الدولة في الإيفاء بالتزامات الحوار، وقد تكون قدرات القطاع الخاص محدودة، ففي غياب قطاع خاص كبير وديناميكي ومنظم، فإن نتائج الحوار ستكون دون المطلوب، وقد يفشل الحوار إذا لم تتوفر له موارد بشرية ولوجستية، إضافة إلى مشكلة التبديلات المستمرة والتغييرات في قيادات السلطة الحكومية، ما يجعل من الصعب متابعة نتائج الحوار وتطبيق الإصلاحات المتفق عليها.
(3)
يقترح الباحث الاقتصادي الفاتح شاع الدين بحسب جريدة اليوم التالي الصادرة يوم الأحد لتحقيق حوار بناء وشراكة بين القطاعين العام والخاص، حلحلة مشاكل القطاع الخاص بإتباع منهجية تحليل المعوقات بحسب الأوليات وليس مواجهة كل المشاكل آنيا، وذلك بسبب النقص في القدرات التنفيذية أو في وضع السياسات أو التمويل التي تجعل من الصعب التصدي لكل المعوقات، كما يؤكد أهمية تحليل معوقات القطاع الخاص بدراسة محفزات القطاع الخاص ودوافعه، ومن بينها العائد وتكلفة التمويل.
أما الباحث الاقتصادي أمير بابكر فهو يرصد المخاطر التي تواجه القطاع الخاص، واجملها في استحواذ الأرض، والتشييد والبناء، وانتقال ملكية الأصول للقطاع العام، فضلا عن مخاطر الطلب الفعلي مقارنة بالمقدر، إضافة للأزمة المستفحلة والمتعلقة بالحصول على العملة الصعبة، إلى جانب مخاطر سياسية وقانونية ورقابية، داعيا إلى إدخال اشتراطات في العقد بحالة الأصول عند نهاية الشراكة عند تسليم أصول المشروع للسلطة الحكومية بعد انتهاء المشروع، كما يوصي بأن تقوم الدولة بتقديم ضمانات والاتفاق على تعويضات في مواجهة المخاطر السياسية المحتملة، وحماية صاحب الامتياز لأنه هو المستدين مع اتباع نهج الشفافية، وتحويل المخاطر للجهة التي تملك القدر الاكبر من السيطرة على المخاطر، ومعالجة المخاطر الرقابية مثل أن تقوم السلطة الحكومية بمفردها بتغيير رسوم الخدمات دون مشاورة الشريك الخاص.

# حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية فإن القانون يضع حدًا لتنافر السياسات وعشوائيتها بتأسيس آلية تنسيقية تحكم العلاقة بين الطرفين، وتحقق لهما المصلحة المشتركة.
# يدور الحوار حول مقترحات لسن قانون يتيح للقطاع الخاص الاستثمار في المشروعات التنموية في البلاد.
# تستمد مقترحات المشروع، من قوانين مصرية وأردنية، تتضمن تأسيس مجلس الأعمال المشترك بين الحكومة والقطاع الخاص.
# يفترض أن يعمل المجلس على إيجاد حلول ومعالجات لمشكلات القطاع الخاص مع الحكومة، والتي تتركز معظمها في التقاطعات في الصلاحيات وتضارب السياسات وغياب الشفافية، كما توجد تقاطعات داخل القطاع الخاص نفسه، مثل خلافات رؤى المستوردين مع المنتجين.
# يتوقع أن يتيح مشروع القانون فرصًا كبيرة للقطاع الخاص والحكومة في الجلوس سويًا لتحديد الأولويات والسياسات، ومعالجة المشكلات مثل الرسوم التي تفرضها الدولة على المنتجين والمستوردين والمصنعين وغيرهم.
# ينتظر أن تنهي مقترحات القانون امتلاك الحكومة منذ سنين، لمئات الشركات، التي تعمل في مجالات التجارة والزراعة والصناعة والبنوك والتعدين والخدمات والنقل والسياحة وخلافه، مما جعلها في منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص.
# يسمح القانون المقترح السماح للقطاع الخاص بفتح النوافذ التمويلية الدولية لصالح مشروعات الكهرباء والمعادن والنفط والزراعة والصناعة والبنى التحتية.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى