تحقيقات وتقارير

كلما ذكرت كلمة ديمقراطية تصيبني الحساسية

قال الكاتب الصحفي الشهير حيدر المكاشفي في عموده” بشفافية” بآخيرة الصحافة اليوم السبت .
«كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي» ، مابين القوسين عبارة في معاداة الفكر والحرية خلدها التاريخ وسار بذكرها الركبان الى يوم الناس هذا ، وأيا يكن قائلها أو المنسوبة اليه سواء كان هو هتلر نفسه ، أو أبرز مساعديه وقائد سلاح الجو الألماني في الحقبة النازية هيرمان غورنغ ، أو كان وزير الدعاية النازية جوزيف غوبلز ، فانها تظل سبة ليس فقط في وجه النازية وانما ستبقى عارا يلطخ تاريخ كل من يعادي الفكر والثقافة والحرية، وشخصنا الضعيف رغم زعمه بأنه ديمقراطي حتى النخاع ولا يرى أفضل منها كنظام للحكم ، الا أنني صرت _ وسأقول لماذا _ كلما ذكرت كلمة ديمقراطية في بلادي أصابتني حساسية ، وفي هذه الأيام التي يكثر فيها الحديث عن نظام ديمقراطي أنجبته مخرجات الحوار الوطني وستتعهده بالرعاية والحماية الحكومة المنتظرة ، تجدني أهرش وأكرش جسمي من الحساسية ، اذ أنني وتلقائيا أيضا أتذكر خيبة ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ..
بعد حوالى سبعة أشهر من نجاح انتفاضة أبريل، وتحديداً في السابع عشر من نوفمبر 1985، تجمعت كل القوى السياسية السودانية، إضافة إلى ممثلين للقوات المسلحة، ولم تتخلف سوى الجبهة الإسلامية القومية، في لقاء حاشد بميدان المدرسة الأهلية بأم درمان جوار منزل الزعيم الأزهري، ووقعوا جميعهم على ما أسموه ميثاق الدفاع عن الديموقراطية، وذلك بهدف حماية وصيانة الديموقراطية الثالثة الوليدة. ومن أبرز ما اشتمل عليه ذلك الميثاق أن نظام الحكم في السودان يقوم على التعددية الحزبية، وأن القوات المسلحة مؤسسة قومية يتلخص دورها في الدفاع عن الوطن والديموقراطية وحظر الميثاق على الأحزاب العمل السياسي وسط الجيش. كما حدد الأساليب التي ينبغي للقوى السياسية اتباعها لمواجهة أي انقلاب عسكري مهما كانت الشعارات التي يرفعها. ومن هذه الأساليب استخدام سلاح الإضراب السياسي والعصيان المدني وتكوين جبهة من القوى الموقعة على الميثاق لمعارضة الانقلاب الجديد، وعدم الاعتراف بأي شرعية للانقلابيين ولا بالاتفاقيات التي يوقعونها مع الدول الأخرى، كما تم بالفعل إيداع نسخ من هذا الميثاق لدى مجلس الأمن والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الافريقية «الاتحاد الافريقي حالياً»، ولكن للأسف رغم كل هذه «الهلولة» استولى انقلابيو يونيو «1989» على السلطة بكل سهولة ويسر ودون عناء يذكر، وهنا يبرز الدرس الثاني وهو أن الدفاع عن الديموقراطية ليس شأناً خاصاً بالأحزاب فقط وإنما هو مهمة وطنية يتوجب على كل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات أهلية ناشطة في مختلف جوانب الحياة العامة الاضطلاع بها. وبالضرورة فإن هذه المؤسسات المدنية إن لم تكن تتوفر على قدر من التجربة والتقاليد لن تحمي نفسها دعك عن الديمقراطية، هذا طبعاً غير الضعف الذي تعانيه الأحزاب نفسها ،ولعل في الخيبة التي انتهى اليها ذلك الميثاق درس أن الديمقراطية لا تحميها المواثيق والمخطوطات بل وعي المجتمع بها، وقبل ذلك بالممارسة السياسية السليمة لها داخل الأحزاب.
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى