تحقيقات وتقارير

اطفال يدفعون ثمن أخطاء الكبار .. ويصرخون من سوء التغذية

لم تدر الصغيرة أقسام محمد بشير، أن “قسمتها” في الحياة أن تواجه المعاناة منذ نعومة أظافرها، فالطفلة التي لم يتجاوز عمرها الثمانية عشر شهراً ظلت تتنقل مع والديها من مستشفى إلى آخر بحثاً عن الشفاء بعد أن تمكن منها مرض سوء التغذية، وفي مستشفى جعفر ابنعوف للأطفال المرجعي تأمل أقسام بأن يبتسم لها الحظ، وتستعيد عافيتها مثلها وكثير من الصغار الذين تمكن منهم هذا المرض، وتم تحويلهم من مختلف مستشفيات البلاد إلى الخرطوم تأمل أسرهم في أن تعود الابتسامة إليهم بعد أن تسبب هذا المرض في مصادرة براءة أطفالهم .

على أرض الواقع

في مستشفى جعفر بن عوف للأطفال الذي وجدنا تجاوباً منقطع النظير من إدارته، فإن الكثير من الآباء والأمهات يأملون أن يتماثل أبناؤهم للشفاء في هذا المرفق الحيوي والمرجعي، ولتلمس واقع مرض سوء التغذية آثرنا أن نتجول داخل العنبر الذي يضم المرضى ، وضع العنبر بصفة عامة يبدو جيدًا من حيث الأسرة والتهوية والشكل العام، عدد من الأطفال المنومين لا تسمع غير أنينهم ونظراتهم الحزينة، اقتربت من سرير أحد الصغار من المرضى وكانت طفلة جميلة الملامح، بدأت بمداعبتها غير أنها كانت قد دخلت من فرط الأمل في نوبة بكاء، إلا أنها كانت تنظر بعينين مليئة بالدموع وأبعدت يدها عني عقب إلقاء التحية عليها، إنها الطفلة أقسام محمد بشير التي تبلغ من العمر ثمانية عشر شهراً، أجبر مرض سوء التغذية على إحضارها من ولاية القضارف إلى الخرطوم بحثاً عن العلاج.

رحلة ومعاناة

والدتها التي كانت تجلس بالقرب منها بدا عليها الحزن غير أنها ظلت تحتفظ بابتسامتها طوال وجودنا بجوارها سردت قصة مرض صغيرتها، وقالت: كانت حالتها جيدة عقب ولادتها، وعندما بلغت الستة أشهر من عمرها امتنعت عن الرضاعة، ولم أجد غير الاستعانة بالحليب الجاهز، ولكن تدهورت حالتها وتراجع وزنها وبلغ ثلاثة كيلو فقط، ذهبت بها إلى مستشفى مدني ولعلاجها تم استخدام العديد من المضادات الحيوية ولم تتماثل للشفاء، بعد ذلك عدت بها إلى مستشفى القضارف، وتمت إفادتنا أن الدم الأبيض مرتفع، ومرة أخرى تم منحها مضادات حيوية، ولكن وزنها لم يزد، ولم نجد غير الحضور إلى مستشفى جعفر ابن عوف، وقد تم إخضاعها إلى العديد من الفحوصات، واتضح أيضاً وجود ارتفاع في الدم الأبيض، وما يزال وزنها عند حاجز الثلاثة كيلو فقط، و تعاني من عدم النمو وسوء التغذية، وطلبوا منا عمل فحص هرمونات وفحص لحساسية القمح.

عصبية ومرض

بعد ذلك اتجهت صوب غرفة العناية الوسيطة حيث التقيت بوالدة الطفلة شهرزاد أحمد التي تبلغ من العمر عشرة أشهر، أحضرتها أسرتها للعلاج من مدينة الفاشر، فى البدء نصحتني الممرضة بعدم الاقتراب من والدتها بزعم عصبيتها وعدم تجاوبها مع أحد، وقالت الممرضة إن ابنتها وعند وصولها المستشفى كانت تعاني من إسهال واستفراغ وفي حال سيئة جداً، وأنها تعاني من التهاب حاد بالصدر ولين في العظام، وكانت تصارع الموت وقتها، وتضيف الممرضة: لكن الحمد لله تم اسعافها، ورغم ذلك فإن والدتها ترفض التعاون معنا ولكن والد الطفلة يتفاهم معنا.

أنين ووجع

لم أكترث لتحذير الممرضة واقتربت من والدة الطفلة، وكانت الصغيرة تصارع آلام المرض وتئن بصوت مكتوم، تتنفس بواسطة الأكسجين وتتغذى عن طريق أنبوبة معدة، تجاوبت معي والدتها وحدثتني قائلة عن حالة ابنتها: منذ ولادتها وهي تعاني من كحة مستمرة والتهاب حاد بالصدر، وإسهال متكرر، لا أستطيع إرضاعها لأنها تتعب عندما ترضع، وزنها يمضي في نقصان، وقبل أن أحضر لمستشفى جفعر ابن عوف كنت بمستشفى بالفاشر وتم تنويمى بها خمسة أيام وبعدها تم تحويلي إلى ابن عوف، الحمد لله هي الآن أصبحت أفضل.

غذاء غير متكمل

مرض سوء التغذية هو عبارة عن نقص في المواد الغذائية الموجودة في الوجبات التي يتناولها الطفل، فمثلاً يحتاج الطفل إلى أن يكون غذاؤه متكاملاً، يحتوى على جميع العناصر الغذائية، ولكن يتناول الطفل طعاماً ينقص منه اثنين أو ثلاثة من العناصر الغذائية، الأمر الذي يجعل الطعام غير متوازنة، فتحدث حالة من سوء التغذية، وبما أن الطفل بحاجة إلى جميع العناصر من أجل الحصول على صحة جيدة، كان واجباً أن يتم تعويض العناصر الغذائية الناقصة من خلال تناول وجبات أخرى تحتوى عليها، ولكن للأسف الكثير من الأمهات لا يفعلن هذا الأمر، مما يسبب للأطفال حالة من الفقر في الصحة في الجسم، فلا يستطيع مقاومة الأمراض.

سوء التغذية له أثر كبير على الدماغ ونمو العقل، كما أن له أكبر أثر على نسبة الذكاء الموجودة في الدماغ، فنجد أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يعانون أيضاً من نقص في التحصيل الدراسي، الأمر الذي يسبب حالة من الجهل والتخلف حيث إن العقل بحاجة إلى العديد من العناصر الغذائية من أجل بناء الخلايا وتجديد التالف منها.

احتياجات كاملة

بحسب أطباء فإن الغذاء الصحي يقدم العديد من الخدمات للطفل الصغير، حيث إن الأطفال فى بداية حياتهم يحتاجون إلى جميع العناصر الغذائية من أجل نمو الطفل بشكل سليم، ولذلك فإن أي نقص في العناصر يسبب حدوث حالة من الخلل في نمو الطفل، وبالتالي فإن الحرص على تناول الغذاء الصحي المتكامل يضمن الحصول على صحة جيدة جداً، ومن أكثر العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل في بداياته هي عنصر الكالسيوم، يجب أن تهتم الأم بأن يشمل طعام طفلها جميع العناصر الغذائية، حيث إنه بحاجة إلى الحبوب والثمار، والخضروات واللبن، وجميع مشتقات الحليب والألبان، كما أنه بحاجة إلى الأسماك واللحوم من أجل البروتين، كما يجب أن تحرص الأم على عدم إعطاء طفلها الكثير من الأطعمة التي لا تقدم له الفائدة والتي من أهمها الحلوى والشيبس، والأمور الأخرى من السكر وغيرها، والتي تقوم بإشباع الطفل ولا يشعر بالجوع .

تشخيص وعلاج:

من ناحيتها، أشارت الدكتورة سمر صابر لـ(الصيحة ) الصادرة يوم السبت إلى أن إصابة الأطفال بمرض سوء التغذية يعود إلى نقص المواد الأساسية للجسم للبنية وهي البروتين،الفيتامينات، وبعض الأطفال لديهم قابلية أكثر لسوء التغذية، وهم المصابون بالإسهالات المتكررة الذين يعيشون في مستوى معيشي متدنٍّ نتيجة لعدم توفر المواد الضرورية في غذاء الطفل، وأيضاً الولادات المتكررة للأمهات وتقارب العمر بين أطفالهم مما يسهم بعدم الاهتمام والرعاية التامة بالأطفال، وعدم الرضاعة الطبيعية، وأيضاً مشاكل المناعة، وأضافت الدكتورة: تتمثل أعراض المرض في فقدان الوزن وعدم قابلية الجسم للزيادة وفقدان السوائل، بالإضافة إلى التغيرات الجلدية والالتهابات المتكررة والإسهالات ونقص بالنمو للأطفال.

مضاعفات وعلاج

وتقول الدكتورة سمر صابر إن مضاعفات المرض تتمثل في فقدان السوائل وهبوط بالدورة الدموية والتهاب حاد بالدم، بالإضافة إلى نقص في بعض المواد العنصرية المهمة مثل البوتاسيوم، الكالسيوم، مستوى السكر بالدم، لين عظام، وتوضح أن العلاج يتمثل في التوعية الصحية للأمهات مع ضرورة التنويع في الغذاء والنظافة في التعامل مع الأطفال، وذلك بغسل الأيدي جيداً، تحصين الأطفال، تحفيز الرضاعة الطبيعية، وإعطاء لبن الكواش، وتقول إن العلاج من المرض داخل المستشفى يتم في شكل مراحل، وأضافت: مرحلة أولى يتم فيها علاج الطفل من الالتهاب وإعطاء جرعة وقائية لعلاج الديدان، ويعطى لبن الكواش وتعويض الطفل عن نقص الفيتامينات والعناصر المهمة، مراقبة وزن الطفل مباشرة في حالة المراسمس أما في حالة الكواش ينقص الوزن قليلاً بسبب فقد السوائل بالجسم ثم بعدها يزداد وزن الطفل.

ضعف الغذاء

بعد ذلك دلفت إلى مكتب البروفسير جعفر ابن عوف الذي رحب بوجودنا، وقال إن تعرض الأطفال لسوء التغذية في السودان يعود الى عدم توفر الكمية الكافية من الغذاء من الأم للطفل لسبب أو لآخر، وأشار إلى أنه وعند وجود طفل جديد في رحم الأم يمنع ذلك غذاء الطفل بصورة مكتملة وسليمة، ويؤدى ذلك إلى حدوث مشكلة كبيرة من سوء التغذية للطفل الموجود والذي في رحم أمه أيضاً، كما أن عدم تناول عناصر مهمة من المواد الغذائية للطفل مما يؤدي الى سوء التغذية، بالإضافة إلى حرمانه من المواد الغذائية الكافية التي تحتوي على العناصر المهمة لبناء جسم الطفل بشكل سليم، مثل الكالسيوم والبوتاسيوم وغيرها من العناصر الضرورية، وتنبع أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل لأن عدمها يؤدي الى مشاكل صحية تقود بدورها إلى نقص في المواد الغذائية الضرورية لبناء جسم الطفل، وبحسب البروفسير جعفر بن عوف توجد أسباب أخرى تقف وراء الإصابة بسوء التغذية منها الالتهابات المتكررة وبداعي عدم عودة الطفل إلى نموه الطبيعي يصاب بداعي الإصابة بسوء التغذية ويصاب بمضاعفات كثيرة منها لين العظام والالتهابات الرئوية وغيرها من الأمراض الأخرى.

ويختم البروفسير ابن عوف حديثه بالإشارة إلى أنه ومن مضاعفات سوء التغذية أن حدوث أي التهاب قد يؤدي إلى وفاة الطفل، معتقداً أن السبب الرئيس لإصابة بسوء التغذية ضيق الواقع الاقتصادي الناتج عن عدم إمكانية بعض الأسر توفير الغذاء المتكامل للأطفال.
الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى