تحقيقات وتقارير

تصعيد جديد.. وأزمة مستمرة الجمارك المصرية تتمدّد نحو مثلث حلايب السوداني

الخرطوم: عبد الهادي عيسى

لا تزال الخرطوم متمسكة بضبط النفس في تعاملها مع القاهرة عقب الحملات الإعلامية المتكررة والانتهاكات المستفزة لقضايا معلقة فى مثلث “حلايب ” المتنازع عليه بين الدولتين.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الخرطوم ظلت تتبع سياسة النفَس الطويل عبر لجوئها إلى الوسائل القانونية والاحتكام إلى التاريخ والجغرافيا لإثبات حقها، وكل ذلك لم يجد آذانًا صاغية من الجارة الشمالية مصر التي بدأت -حسب الصيحة يوم الأحد – في إنشاء محطة جمركية داخل مثلث حلايب المتنازع عليه، الأمر الذي يبين أنها تسعى إلى فرض الأمر الواقع.

وثائق سودانية

معلوم أن مصر تمضي في تمصير مثلث حلايب وشلاتين وفق خطط محكمة تحاول عبرها غزو المنطقة ثقافياً، وعبر توفير الخدمات لسكان المثلث بتمييز تفضيلي عكس أقاليم مصر الأخرى التي تعاني نقصاً في الخدمات الأساسية وهي بذلك تريد أن تثبت غير المثبت بتغيير ولاء أهل المنطقة لها، غير أن هيئة المساحة السودانية كانت قد أكدت في وقت سابق أن جميع وثائقها تثبت سودانية حلايب وشلاتين، الأمر الذي أفقد القاهرة الحق في إنشاء مشروعات في المنطقة، وجددت الخرطوم غير ما مرة مطالبتها للقاهرة بقبول التحكيم الدولي إن كانت تملك ما يثبت ملكيتها للمثلث، مشددة على أن القاهرة سبق وأن استعانت بالسودان الذي أمدها بالوثائق التي استردت بها منطقة “طابا” من إسرائيل عبر التحكيم الدولي.

حملات تصعيدية

كانت آخر هذه الممارسات المستفزة للجانب السوداني هي إقدام السلطات المصرية على افتتاح مكتب للجمارك بمثلث حلايب بمنطقة “حداربة”، وفي ذلك قال ممثل دائرة حلايب بالبرلمان في تصريحات صحافية إن السلطات المصرية لا تزال تواصل التصعيد والحملات المكثفة والتوغل بجانب استمرارها في محاولات التمصير للمنطقة، مؤكدًا أن المواطنين لايزالون يرفضون الذهاب إلى مراكز السجل المدني التي افتتحتها مصر مؤخرًا بحلايب متمسكين بسودانية المنطقة، مشيراً إلى أن إقامة السلطات المصرية مكتباً للجمارك بالمنطقة الغرض منه استخلاص الرسوم والجبايات من مواطني المثلث، وقد سبقت هذه الخطوة العديد من الانتهاكات والتصرفات المستفزة من قبل السلطات المصرية، وقد بث التلفزيون المصري في أواخر العام الماضي شعائر صلاة الجمعة من منطقة حلايب وأذاع التلفزيون المصري صوراً ولقاءات على الهواء مباشرة.

تجدد التصعيد

أثيرت أيضاً قضية حلايب بين البلدين عقب إعلان الحكومة المصرية في أبريل 2016م، توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية أقرت فيه القاهرة بأحقية الرياض في جزيرتي “تيران وصنافير”، وقد وصل التصعيد المصري ذروته إبان زيارة الرئيس التركي رجب طييب أردوغان في نهاية العام المنصرم، وقد وقع البلدان 12 اتفاقية للتعاون بينهما في المجالات العسكرية والاقتصادية والزراعية، وشن الإعلام المصري هجوماً هستيرياً على الخرطوم بسبب تسليم تركيا إدارة جزيرة سواكن، ثم عاد الإعلام المصرى في الهجوم على السودان، وحملت صحيفة الوطن المصرية خبراً مفاده أن الناشط الحقوقي المصري بخيت إسماعيل تقدم بدعوى قضائية تطالب بطرد السفير عبد المحمود عبد الحليم العائد لتوه إلى القاهرة، مستنداً على حجج تقول إن السودان ارتمى في الحضن “التركي ـ القطري” مستمداً منهما قوته للهجوم على مصر.

وقال السفير عبد الحليم عبد المحمود سفير الخرطوم لدى القاهرة في حديث لـ”الصيحة ” إن الدعوى التي رفعها أحد المواطنين المصريين دعوى سخيفة لا تستحق الرد.

تحدٍّ للحكومة

تعليقاً على التصعيد المصري المستمر خاصة في الآونة الأخيرة رأى المحلل السياسي والأكاديمى د. عبده مختار موسى أن الخطوة التي قامت بها السلطات المصرية في إنشاء مكتب للجمارك بمنطقة حلايب تعتبر تحدياً للحكومة السودانية من قبل الجانب المصري، وأضاف عبده مختار خلال حديثه لـ(الصيحة) أن ما حدث نتاج طبيعي لعدم جدية السودان في حسم ملف حلايب سواء أكان عبر الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، مدللاً على ذلك بموقف الحكومة في استدعاء السفير السوداني وإعادته مرة أخرى بلا جديد، وزاد عبده أن مطالبة بعض الجهات المصرية بطرد السفير لابد أن يقابل بموقف قوي من الجانب السوداني وذلك باتخاذ مبدأ المعاملة بالمثل، وأضاف قائلاً بأن هذا النهج غائب لدينا في تقالدينا الدبلوماسية خاصة في ما يتعلق بالمواقف التي تمس الكرامة، وشدد على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر جدية وحاسمة تجاه الاستفزازات المصرية، وإيقاف هذه التصرفات غير اللائقة، وقال إن الكرة الآن في ملعب الحكومة السودانية، وهي القادرة على وضع حد لهذه التجاوزات المصرية المتواصلة .

انتهاج الحكمة

غير بعيد من ما قاله عبده مختار، رأى الكاتب الصحافي فتح الرحمن النحاس أن اللقاءات المتكررة من قبل مسؤولي البلدين وبحثهم لقضية حلايب لم تؤدِّ إلى نتيجة حاسمة، وزاد النحاس خلال حديثه لـ(الصيحة) أن التصعيد الذي تقوم به السلطات المصرية لن يكون في صالحها، وأشار النحاس إلى أن هذا التصعيد تقف وراءه جهات لا تريد خيراً للسودان ومصر، وتسعى إلى أن تنفجر الأوضاع وتصل حد المواجهة المسلحة، وقال هذه هي النتيجة التي تريدها القوى المعادية للسودان ومصر ودعا النحاس الجانبين إلى انتهاج أسلوب الحكمة والنظر إلى مصالح الشعبين، وأضاف إذا وقع ضرر لن يتأثر به جانب واحد وسيفتح الباب واسعاً أمام القوى الاستعمارية والقوى التي تسعى التي تخريب المنطقة وتشتيتها وتمزيقها ولتفعل فعلها في البلدين مؤكداً بأن الجانب السوداني ما زال يتعامل بسياسة ضبط النفس والتعامل بعقلانية.

ضغوط مصرية

يرى بعض المراقبين أن الخطوات التي تقوم بها مصر تجاه مثلث حلايب القصد منها ممارسة ضغط أكبر على موقف السودان من مشروع سد النهضة الأثيوبي، حيث إن الجانب المصري لديه مخاوف من تأثير سد النهضة على حصة مصر من مياه النيل وتدمير مساحات من الأراضي الزراعية فضلاً عن عدم توفير مياه شرب كافية لسكانها الذين يتجاوز تعدادهم 100 مليون نسمة .

الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى