تحقيقات وتقارير

مشار.. الرجل (الأفلج) إلى أين يتّجه؟!

تقرير: مها التلب

أخيراً يستعد زعيم المعارضة المسلحة د. رياك مشار لمُغادرة محبسه بجنوب إفريقيا لوجهة أخرى لم تُحدد بعد. الرجل (الأفلج) لطالما شكّل صداعاً مُستديماً لغريمه اللدود رئيس جمهورية جنوب السودان سلفاكير ميارديت. فبعد مضي عام واربعة أشهر و26 يوماً عاد الرجل ذو الفلجة لواجهة الأحداث بشكل مفاجئ وبطريقة غير متوقعة ربما أربكت خصومه وسعرت نيران الخلاف فيما بينهم.

سيما وأنّ الرجل يخرج هذه المرة أيضاً وقد حفته ظلال الأسطورة التي أشَارَت إلى أنّ شهر مَارس عندما يأتي لن يَتجاوز مَشار دُون أن يَضع بصمته في حياته وها هو الرجل يغادر محبسه ومارس يلملم أطرافه ويستعد للرحيل. ليبقى السؤال هل تكتمل تفاصيل النبوءة ويتولى مشار حكم الجنوبيين ذات يوم..؟!

سحر الأسطورة!

تُستمد الاسطورة المشار إليها من المعتقدات الإفريقية ونبوءات (نقوندينق) الأب الروحي لقبيلة النوير، وهي ذات القبيلة التي ينتمي إليها رياك مشار، وتحكي أساطير النوير أنّه يأتي رجل بعد حرب طويلة في الجنوب (ذو فلجة) وليس (مشلخاً)، يتولى قيادة الشعب والعبور به، وتعتقد كثير من القبائل في جنوب السودان – وخاصة النوير – أن هذه الصفات متطابقة ومتوفّرة في مشار، لذا ظل الرجل مصدر إلهام شعب جنوب السودان.

مشار يتحدث!

منتصف نهار أمس الثلاثاء أجرت (التيار) اتصالاً مع رياك مشار للتعليق على النبأ المدوي بإنهاء إقامته الجبرية، وكان مفاجئاً قوله بأنه لا يزال رهن الإقامة الجبرية، حيث ضحك بسخرية تقطر أسى قبل أن يقول: “مازالت في المعتقل المنزلي”، وأضاف: “أن إطلاق سراحي مشروطٌ، معناها ما فكّوني لسة”..!

استدراج لبريتوريا!

مثلت بريتوريا سجناً كبيراً لزعيم المعارضة المسلحة وظل بها كالأسد الحبيس، في الأيام الأولى وطبعاً لروايات موثوقة لم يسَتوعب الرجل أنه وقع في المَصيدة خَاصّةً وأنه تم استدراجه بحجة إجراء فحوصات في جنوب إفريقيا. حاول الرجل الاعتراض على الواقع لكن هيهات ووصلت حد أن مُنع من استعمال الهاتف السّيّار؛ والتحركات انعدمت ووصلت حد أن يتحرك بحراسة مشددة بعد أذونات مسبقة من الأجهزة الأمنية.

الجزيرة المعزولة!

تم نقله إلى جزيرة معزولة خوفاً من تصفيته وعلى الرغم من أن المكان يتمتّع بجميع وسائل الراحة من مناظر طبيعية خلابة وخدمات متميزة، إلا ان الرجل ذو الطموح العالي لم يتمتع بذلك ويرى أن حريته كل متع الحياة وفقاً لحديث أحد المرافقين لرياك مشار، وتابع: كل سبل الراحة متوفرة في هذه الجزيرة إلا أن الدكتور يمضي وقته في القراءة بصورة نهمة، بجانب اهتمامه بالتعرُّف على الثقافة الجنوبية الإفريقية وتاريخها بشكلٍ تفصيلي لزيادة معرفته بهذا البلد. هذا الرجل ابلغ (التيار) أيضاً أن رياك مشار امتلك هاتفاً نقالاً ويجري اتصالات محدودة ويتحدث في أشياء أسرية بعيداً عن القتال والعمليات العسكرية في الميدان.

حسم الجدل!

الهَمس دار داخل أضابير الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا “إيقاد” بأنّ الوزراء يتّجهون لإنهاء الإقامة الجبرية لزعيم المُعارضة المُسلّحة، لكن وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور حسم الجدل وقال عند نهاية زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق ديسالين إلى الخرطوم، قال غندور إنّ ملف فك الحظر السياسي عن زعيم المُعارضة المُسلّحة د. رياك مشار يناقش الآن داخل أروقة رؤساء الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق إفريقيا “إيقاد”، مُضيفاً أن إحياء عملية السلام في جنوب السودان لن تكتمل إلا بمشاركة كل الفرقاء الجنوبيين بمن فيهم مشار بطبيعة الحال.

طال الانتظار!

وبعد طول انتظار وفي خطوةٍ مُفاجئةٍ، أعلنت الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا “إيقاد” رفع الإقامة الجبرية عن زعيم المعارضة الجنوبية المُسلّحة د. رياك مشار للمُشاركة في عملية السلام بين الفرقاء بجمهورية جنوب السودان، وقال مصدرٌ دبلوماسيٌّ رفيعٌ بالوساطة الإفريقية لـ(التيار) أمس، إنّ وزراء خارجية “إيقاد” عقب اجتماعهم الطارئ بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس الأول الإثنين قرّروا رفع الإقامة الجبرية عن مشار بعد أكثر من ثلاثة أعوام ظلّ بها في جنوب إفريقيا شريطة أن يتعهّد بعَدم عَرقلة العمليّة السلمية، وأضاف المصدر أنّ “إيقاد” ستُقرِّر الدولة التي سينتقل إليها رياك مشار.

اتهامات سريعة!

الرد جاء سريعاً ومتوقعاً من جمهورية جنوب السودان، حيث اتّهم وزير الإعلام بجمهورية جنوب السودان مايكل مكوي، الخرطوم وأديس أبابا بدعم ملف عودة زعيم المُعارضة المُسلّحة د. رياك مشار ولم يجد مكوي حرجاً من أن يقول رفع الإقامة عن مشار جُزئية ومَشروطة ونحن مع هذه الخطوة بشرط عدم الدفع به في العملية التفاوضية، وزاد: “لن نسمح له بالعودة إلى طاولة المُفاوضات أو المُشاركة في العملية السلمية”، وردّد مكوي بنبرةٍ حَاسمةٍ، عليه أن يَستعد للانتخابات القَادمة.. وفيما يشبه استعادة الماضي حاول تذكير القادة الأفارقة بتاريخ الرجل القديم، وقال: “على القادة الأفارقة ان يتذكّروا جيداً تاريخ رياك مشار منذ انشقاق الناصر 1991م وأحداث 2013م، بجانب أحداث القصر الرئاسي 2016م الأخيرة، مُتّهماً رياك بالتورُّط فيها وإشعالها.

توتر بائن!

تصريحات مايكل أظهرت مدى توتر حكومة جوبا من عودة الرجل إلى المشهد السياسي وقال وزير إعلام جوبا لـ(التيار) أمس، لا توجد أسباب منطقية لعودة مشار ويبدو أن الرجل سيدخل في صراعات عديدة أولها ترتيب بيته الداخلي وإدارة التنوع داخله حتى يحفظ ما تبقى من حركته التي تشظت بفعل الانقسام الخطير الذي قاده ساعده الأيمن تعبان دينق قاي الذي يتبوّأ منصب نائب رئيس الجمهورية، بجانب الدخول في صراعاتٍ مع دول إقليميّة ودوليّة فهل يفلح الرجل في تفادي أخطاء الماضي؟.

ملفات في انتظار مشار!

يعتبر – كثير من المُراقبين – أن إدارة التنوع داخل الحركة الشعبية المُسلّحة بزعامة رياك أحد الملفات المُهمّة التي ينتظر أن تُواجه الرجل، وبالرجوع إلى ما قبل أحداث القصر الرئاسي الأخيرة في العام 2016م فإنّ رياك فشل في إدارة التنوع داخل مجموعته وأوكل أمر القضايا المُهمّة، المالية والسفريات إلى من ينحدرون من قبيلة النوير وكثيراً ما همست العديد من المجموعات الإثنية معترضة لسيطرة أبناء قبيلته على مفاصل الأمور.

من أوائل الذين اعترضوا على هذا التهميش هو أحد أبناء أبيي ورجل الاستخبارات القوي الجنرال إدوارد لينو وغادر المجموعة باكراً.

لكن لم يقف الأمر عند إدوارد لينو وحده، حيث انضم مجموعة جنرالات من أبناء الدينكا إلى صفوف الحكومة وتوالت الانقسامات والأصوات الناقدة والناقمة ووصل الخلاف مع تعبان دينق إلى أشده وبلغ حَدّ أن تمّ تنصيبه في الموقع الذي كان يشغله مشار نفسه قبل نشوب الحرب الأهلية، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير.

صرف النظر عن قانونية استخلاف الجنرال تعبان دينق قاي، النائب الأول لرئيس جمهورية جنوب السودان؛ فقد ساهم ذلك الإجراء في عزل زعيم المُعارضة المُسلّحة د. رياك مشار عن قواته لمدة زمانية تُعد طويلة جداً بحسابات السياسة.

فبينما كان الرجل يُقاتل من أجل حياته في أحراش غرب الاستوائية لما يزيد عن الأربعين يوماً؛ استغرق مثلها في الاستشفاء والنقاهة بالعاصمة السودانية الخرطوم وهي فرصة أكثر من مواتية لاستعدال موازين القوى، وهو ما نجح فيه خليفته (تعبان) بامتياز.. فالسؤال الذي يظل ماثلاً هل يستفيد الرجل من أخطاء الماضي ويستفيد من الفرص التي أتت إليه وأهدرها تباعاً.

طوق حصار جديد!

كان مشار يعلم أن هنالك قوماً يأتمرون خَاصّةً وان تقاطع المصالح الدولية والإقليمية طوق حصاراً جديداً عقب نجاحه في الفرار إلى جمهورية الكنغو، وقال الرئيس الكيني اوهوروا كنياتا انه سيتم إجلاؤه إلى إحدى عواصم دول “إيقاد”، لكن سرعان ما تبدّلت الأحوال بعد اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظرائه من دول “إيقاد” بنيروبي وهو ما حدثني به وزير الخارجية دينق ألور وقال كان الموقف الأمريكي حينها هو إزاحة زعيمي النزاع المُسلّح عن المَسرح السِّياسي لمَصلحة استمرار السَّلام، وفي ذات الوقت الذي كان يتم فيه الاعتراف بقانونية إحلال تعبان دينق قاي بديلاً عن رياك مشار؛ كان طوق الحصار يشتد حول عُنق الأخير؛ وفي ذات الأثناء شهدت دول الإقليم تحولات داخلية كثيرة أجبرتها على إعادة ترتيب أولويات مصالحها العُليا.

كل ذلك الحراك الإقليمي والذي تظهر فيه بصورة أكثر من جلية، تقاطع المصالح الوطنية لتلك الدول ألقى بتأثيره السالب على زعيم المعارضة المُسلّحة وعلى مستقبله السياسي بعد أن اكتملت حلقات حصاره وعزله على المستوى الإقليمي.

المُجتمع الدولي!

هنالك حتماً ثأر بين مشار وواشنطن باعتبار أنها ساهمت في عزله وأن جوبا تتمتّع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع واشنطن، لكن الآن النبرة بين إدارة ترمب وإدارة سلفاكير تَحَوّلت إلى عداءٍ ظاهرٍ وصل حَدّ فَرض عُقُوبات اقتصادية على النفط الشريان الرئيسي وربما تتبعه قائمة بأسماء أشخاصٍ، ويبدو أن قواعد اللعبة تبدّلت وربما يظهر سلفاكير على رأس قائمة العُقُوبات ويُطلق رياك من قفصه حراً طليقاً.

إلى أين؟!

الوجهة القادمة لرياك مشار غير معلومة خاصة وأنّ وزراء “إيقاد” لم يكشفوا عنها وهذا يعني بوضوحٍ أنّ الإقامة مازالت مَفروضة جزئياً، وبالتالي فإنّ الموقفين الإقليمي والدولي حيال استمرار الحياة السّياسيّة أصبح واضحاً ويضع المُستقبل السِّياسي لزعيم المُعارضة المُسلّحة على المَحَـكْ.
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى