تحقيقات وتقارير

التعــديـلات عـلى حـكومـة الوفـاق..ســـر التأخــير

محمد جمال قندول
فور تعيينه مساعداً لرئيس الجمهورية ونائباً لرئيس الحزب الحاكم المؤتمر الوطني, لم يجد د.فيصل حسن ابراهيم أي حرج بالمجاهرة علنا أثناء حديثه لـ مجموعة من الصحافيين عن تعديلات وزراية وشيكة ستطول حكومة الوفاق الوطني المشكلة من مخرجات الحوار,

ذلك الحديث الذي أشعل المشهد السياسي حينها وأدخل الساسة وأهل الإعلام والعوام في ترقب شديد مرت الأيام وانقضى على حديث الرجل أكثر من شهر ونصف ولم يحدث اي تغيير على مستوى الحكومة, الأمر الذي جعل الجدل يخيم على مغزى التأخير رغم التأكيدات المستمرة من قبل قيادات الدولة في أوقات سابقة بانها ستأتي لتطول بعض نقاط الضعف بالحكومة لمجابهة بعض التحديات التي ظلت تعيق عمل الحكومة وتسبب لها حرجاً بالغاً مع المواطنين.
الأزمة الاقتصادية
ولا يخفى على أحد ان الأزمة الاقتصادية التي واجهت البلاد خلال السنوات الاخيرة، جاءت علي قمة اولويات مخرجات الحوار الوطني، فبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني واعتماد وزراء القطاع الاقتصادي من 4 أحزاب سياسية، ظن الجميع ان هنالك إرادة حقيقية بأن تخوض الحكومة موقعة شرسة مع مشاكل الاقتصاد وتهزمه. وفي خواتيم العام الماضي وبصورة مفاجئة أحدثت الحكومة تعديلات قاسية وجاءت بموازنة وصفها الكثيرون بـ القاتمة فلم يكن بحسب الذين قاموا على تقويمها من حل سوى هذه الموازنة حيث بشر الاقتصاديون بأنها الأقسى من حيث الإجراءات، ولكنها ستعود بمفعول ايجابي لشفاء جسد الاقتصاد, وفعليا زادت الأسعار جراء الموازنة وبلغ مداد ذلك إعلان تعرفة الخبز الواحدة بـ جنيه الأمر الذي أحدث ربكة وغضبا شعبيا ولكن سرعان ما تمت السيطرة عليه, وآنذاك في يناير قامت حملة شعواء مطالبة بإعفاء وزراء القطاع الاقتصادي وذلك بسبب المشاكل الاقتصادية التي تفاقمت أثناء توليهم عهد هذا القطاع المهم على حد تعبيرهم.
تعديلات مارس
وطيلة شهر مارس، عاش الجميع في ترقب شديد بمن فيهم وزراء المؤتمر الوطني وولاة الولايات، وهم في انتظار التعديلات التي أفصح عنها فيصل حسن ابراهيم وسبقها بتعديلات واسعة على نطاق حزبه أفضت الى تغيير شكل قطاعات وأمانات وهياكل الوطني، ليتسق مع المرحلة السياسية والتحديات الراهنة.
والتعديلات في حد ذاتها رسمت عدة علامات استفهام حيث ان أمد الحكومة الحالية لم يصل الى عام، الأمر الذي يجعل من إطلاق الأحكام وإجراء تعديل، فيه نوع من عدم المنطق والقسوة اضافة الى ان الأمر لا يستقيم في نظر خبراء الاقتصاد مع إطلاق الأجواء المناسبة لإجراء تحول حقيقي على جسد الاقتصاد والزمن القصير الذي عايشه وزراء القطاع الاقتصادي في ظل حكومة وفاق وطني عريضة.
عودة قوش
إعادة مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق اول ركن مهندس صلاح عبدالله قوش الى واجهة الأحداث بتعيينه على رأس ادارة الجهاز، رسم صورة ذهنية لدى العامة بشأن عودة محتملة للقيادات الكبرى التي تنحت من سفينة الجهاز التنفيذي رغم محافظتها على وهجها الحزبي, وهنا نعني أسماء نافع وطه واسامة عبدالله وآخرين ذهبوا فيما وصفه المراقبون بـ الوثبة الثالثة لـ الإنقاذ وجاءت قيادات شابة في بحر العام 2013 لتقود سفينة حكومة الإنقاذ ، تلك التسريبات التي انتشرت في المشهد السياسي دعمتها بقوة فشل بعض رموز الحزب الحاكم في الحكومة وعلى مستوى الحزب مع اعتراف قيادات بالوطني بضرورة مراجعة هياكل وشعب الحزب الحاكم تماشيا مع التحديات الكبرى والمتعددة التي سيواجهها خلال العام والنصف القادمة من استحقاقات دستورية متمثلة بتعديل الدستور والاتجاه لإنشاء دستور دائم، وكذلك الموقعة الانتخابية التي بدأت تقترب رويدا رويدا, ويخشى الوطني فيها تكرار سيناريو 2015 التي رغم الفوز بالانتخابات حينها إلا انها جاءت فرحة ناقصة بفعل الإقبال الضعيف.
الحرب على الفساد
الحرب على الفساد التي أطلقها رئيس الجمهورية وشدد على محاسبة اي مفسد والقضاء على الفساد، وذلك خلال الخطابات الاخيرة, يرى المراقبون انها نقطة تحول كبيرة تصب في مرحلة ان التغيير الحكومي قادم ولكن قد يتأخر بعض الوقت لاعتبارات عديدة تبرز في مقدمتها ضرورة ان تجهز الحكومة والقوى السياسية ساحة خالية من الفساد الاقتصادي والسياسي, اذا أرادت ان تبني دولة وفق مخرجات الحوار,
ويرى المراقبون ان تغيير الوجوه في هذا التوقيت لن يصب في مرحلة تغيير الواقع المرير لبعض مرافق الدولة ومؤسساتها مثل الازمة الاقتصادية، وفي ذات الاثناء اشادوا بالحرب المعلنة من الرئيس على الفساد, واعتبروه بداية حقيقية لبناء دولة مدنية حديثة عمادها القانون ونظامها العدل واساسها النزاهة. ويشير المراقبون الى ان الحرب على الفساد يتطلب تأخير اي تعديلات وزارية على الأقل خلال الاشهر القليلة القادمة لجهة ان هنالك خللا في السياسات التي اتبعت سواء في العملية السياسية للدولة او الاداء الاقتصادي, وان تغيير ذلك المشهد القاتم للدولة لا يحتاج الى تعديل بقدر ما الحكومة بحاجة ماسة الى إرادة حقيقية.
لجنة خماسية
وبحسب مصدر عليم تحدث لــ(الإنتباهة) فقد اكد ان التعديلات الوزارية قادمة لا محال, وانه تم تشكيل لجنة برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس الوزراء والنائب الاول لرئيس الجمهورية الفريق اول ركن بكري حسن صالح ونائب رئيس المؤتمر الوطني فيصل حسن ابراهيم ووزير رئاسة الجمهورية فضل محمد عبد الله ووزير ديوان الحكم الاتحادي حامد ممتاز, واشار محدثي الى انها قد تتأخر الى ما بعد عيد الفطر وذلك لمزيد من التشاور والترتيب اضافة الى إعطاء الفرصة لإكمال عمر هذه الحكومة لعام.
واضاف المصدر أن التعديلات لن تكون فقط على مستوى الحزب الحاكم، وانما سوف تشمل كذلك الأحزاب السياسية الاخرى المشاركة والتي بدأت فعليا بالتشاور في كيفية اجراء التعديلات.
بلال وبشارة وآخرون
وبات في حكم المؤكد ان تطول التغييرات وجوها كبيرة من القوى السياسية ولكن ليس في سبيل إبعادها عن واجهة المشهد التنفيذي بقدر ما سيحدث تغييرا في المواقع, حيث من المتوقع ان ينتقل احمد بلال عثمان من وزارة الإعلام لـ الصحة فيما يتحول بشارة جمعة ارو من الثروة الحيوانية الى الإعلام على ان ينتقل بحر ادريس ابو قردة من الصحة الى الثروة الحيوانية, تلك احد أبرز التغييرات المرتقبة. وفي الاثناء يتوقع ان تحتفظ وجوه الحزب الاتحادي وكذلك المؤتمر الشعبي بذات المواقع دونما اي تغيير وذلك من واقع رضا الحزبين عن اداء ممثليهما بالحكومة الحالية.
البرنامج الانتخابي
الشاخص لمجريات الأحداث السياسية يجزم بان التعديلات على مستوى الولاة لن تكون كثيرة حال حدثت, وبات في حكم المؤكد ان يظل ايلا واليا للجزيرة وكذلك هارون على شمال كردفان وكاشا علي النيل الابيض بسبب الرغبة الشعبية الجارفة لمواطني الولايات المذكورة وضمان الرئيس لهم بالبقاء في مواقعهم ردا لمطالب المواطنين، بينما سيبقى عيسى آدم واليا لجنوب كردفان للنجاحات التي حققها .
ويرى المراقبون ان تعديلات الولاة غير ورادة على الاقل في الأشهر القليلة القادمة لعدة اعتبارات, وفي مقدمتها استمرار العمل في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية مع التأكيد على ان أغلب الولايات حققت النصف فيما يتعلق بالبرنامج الانتخابي.
تعديلات محدودة
وبالمقابل أكد مصدر من داخل الوطني بانه لا مجال لعودة القيادات التي ابتعدت عن واجهة المشهد التنفيذي خلال الفترة المقبلة, وقال لــ(الإنتباهة) ان التعديلات التي ستجري على الحكومة خلال الفترة المقبلة ستكون محدودة على عناصر الحزب الحاكم .
واشار الى ان أداء غالبية وجوه الوطني في ظل حكومة الوفاق الوطني كانت مرضية مستبعدا ورود مفاجآت بالتشكيل على غرار ذلك الصدى الذي أحدثه إعادة قوش الى واجهة المشهد.
واعتبر ان عودة قوش لا تعني اي احتمال لعودة القيادات التي تنحت, مؤكدا ان الرئيس يثق في القيادات الشبابية التي قدمها المؤتمر الوطني خلال الفترة الاخيرة للحكومة.
التعديل الأبزر
التعديل الأبرز الذي طرأ على المستوى التنفيذي, كان مصاحبا للتعديلات الحزبية التي قام بها د.فيصل عقب تعيينه نائبا لرئيس الحزب, حيث تحول حامد ممتاز رئيسا لقطاع التنظيم الأمر الذي جعله يتقلد منصب وزير ديوان الحكم الاتحادي وهي من الوزارات السيادية المهمة , حيث تأتي في الترتيب الوزاري السيادي عقب وزارة العدل مباشرة.
ويتوقع المراقبون ان لا يفشل ممتاز في مهمته خاصة وان المنصبين التنفيذي والحزبي مرتبطان ببعضهما مع الاشارة الى ان حامد من الكوادر الشبابية التي دفع بها المؤتمر الوطني خلال السنوات الاخيرة ونجح بصورة لافتة خاصة إبان تقلده منصبي امين أمانة الشباب ثم الأمانة السياسية لاحقا. ويتمتع حامد بعلاقات جيدة مع القوى السياسية اكتسبها أيام مداولات الحوار الوطني الأمر الذي سيجعل مهمته سهلة جدا بالتواصل وإحداث اختراقات مهمة خلال الفترة المقبلة , كما انه سينجح بصورة كبيرة في إعادة ترتيب الحزب بالتعاون مع د.فيصل الذي فيما يبدو يثق بصورة كبيرة في ممتاز.
وبالمقابل دفع الحزب ايضا بالسفير محمد عبد الله إدريس وزيرا للدولة بوزارة الخارجية اثناء التعديلات التي صاحبت التغييرات الحزبية.
أبرز تحديات حكومة الوفاق
حكومة الوفاق تواجه تحديات على عدة جبهات خلال الفترة المقبلة، وفي مقدمتها قطعا إيجاد روشتة فاعلة لـ الأزمة الاقتصادية دونما اللجوء الى المسكنات التي انهكت جسد الاقتصاد.
وعلى مستوى العلاقات الخارجية ينتظر ان تقوم الحكومة بجهود أوسع لضمان رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب وذلك بعد رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية الذي تم خلال الفترة الماضية ، فيما ينتظر ايضا ان تقوم الحكومة بمواصلة الانفتاح على المجتمع الدولي بعض النجاحات الكبيرة التي أحرزتها خلال الفترة الماضية بتعزيز العلاقات مع روسيا وكذلك تركيا الذي زار رئيسها اردوغان البلاد لثلاثة ايام قبل أشهر اضافة الى تقييم وترسيم العلاقات مع دول الشرق الأوسط وفق المصالح، مع ضرورة التركيز على خلق علاقات قوية مع الرئيس الجديد لأثيوبيا.
على المستوى السياسي ينتظر ان تنجز حكومة الوفاق عبر الجهاز التشريعي رعاية المبادرة الرئاسية لإنشاء دستور دائم الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية خلال خطابه بالمجلس الوطني، بجانب اجراء تعديلات دستورية وصولا الى انجاز ملف الانتخابات المرتقبة التي يفصلنا عنها عام ونصف العام.
تكتم شديد
ولم يستبعد وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة أحمد بلال عثمان في اكثر من سانحة, ان تحدث تغييرات على مستوى الحكومة, غير ان بلال لم يفصح بالتفصيل في اشارة واضحة الى ان هنالك تكتما شديدا على امر التعديلات فيما يبدو حتى لا تحدث ربكة في الأداء العام للحكومة.
ولطالما جاء وزير المالية الفريق أحمد الركابي على رأس الترشيحات التي تخرج بين الحين والآخر بانه سوف يغادر موقعه, غير ان وزير الإعلام احمد بلال نفسه شدد بان وزراء القطاع الاقتصادي لن يطولهم سهام التعديلات المرتقبة.
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى