تحقيقات وتقارير

الوزير.. في رحلة علاج..!!

في النكتة الشهيرة أنَّ رجلاً دخل مطعماً في الخرطوم وطلب ما اشتهاه ولما أدخل إلى جوفه اللقمة الأولى أحس برداءة الطعام.. فنادى بغضب على الجرسون وسأله أين صاحب المطعم؟ رد عليه بمنتهى العفوية (مشى يفطر في المطعم المجاور)..
السيد بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة الاتحادي سافر إلى الهند بحثاً عن العلاج لأفراد أسرته.. ومع دعواتنا له ولأسرته بتمام العافية، إلاَّ أنَّ الأمر يفتح أسئلة حتمية.. فعلى سياق النكتة فالرجل الأول المسؤول عن الخدمات العلاجية في السودان كافة، اتخذ طريقه في الجو سرباً وراح يفطر في المطعم المجاور.. فقدم بذلك شهادة لم يكن ينتظرها أحد على حال البلد.
والأرقام الرسمية لم تكن تنتظر سفر “أبو قردة” لتعلن الواقع الطبي في بلد افتتحت فيه ثاني كلية طب على نطاق العالمين العربي والأفريقي.. ويسمق بأسماء أطبائه في كثير من مستشفيات العالم المتحضر.. فعدد السودانيين الذين يطلبون تأشيرات سياحة طبية يقترب من المليون.. وينفقُ السودانيون في العلاج بالخارج ما يكفي لتشييد أعظم المستشفيات هنا في السودان واستيراد أفضل الأطباء من كل الجنسيات في كل التخصصات.. لا لعلاج السودانيين وحدهم بل لتصبح السياحة الطبية واحداً من أهم موارد العملة الصعبة.. وقبلها الجاه والصيت الأممي..
عندما زرتُ شخصياً مستشفى “فيدروف” بموسكو في أغسطس الماضي مستشفياً من آثار الاعتداء الإرهابي على صحيفة (التيار).. فوجئتُ أنَّ الغالبية العظمى من المرضى هم من السودانيين.. بل يكاد يظن المرء نفسه في الخرطوم من كثرة المرضى السودانيين ومرافقيهم. متوسط ما ينفقه المريض (خمسة آلاف دولار) مقابل العلاج فقط.. فضلاً عن تكاليف السفر والإقامة والطعام والخدمات الأخرى.. وبحساب بسيط قد يقفز ما ينفقه السودانيون لعلاج العيون في مستشفى واحد فقط إلى حوالي 20 مليون دولار سنوياً.. أكرر في مستشفى واحد وتخصص واحد.. الآن انظر إلى خارطة عالمية كبيرة من أقصى غرب الكرة الأرضيَّة في أمريكا إلى أقصى شرقها في تايلاند التي باتت واحداً من أهم مهاجر السودانيين العلاجية.. ومن أقصى الشمال روسيا وبريطانيا وألمانيا إلى أقصى الجنوب.. في جنوب أفريقيا.. مروراً بقائمة عواصم أخرى كثيرة مثل عمان والقاهرة وغيرهما.. كم تبلغ الأموال السودانية المهاجرة للعلاج بالخارج.. بالطبع مليارات الدولارات.. ومعها فرص تشغيل كوادر سودانية.. وقبلها إهدار مورد سياحي كنَّا أولى به لو حولناها إلى مؤسسات علاجية بالداخل.
قبل عدة سنوات -حسب عمود عثمان ميرغني حديث المدينة – أعلنتْ الدولة عن مشروع (توطين العلاج بالداخل).. وبعد تراجيديا أكروباتية انكشف عن (توطين الفساد بالداخل).. فلم يكن محزناً الاستهتار بمئات الملايين من الدولارات تحرق في مهزلة سياسية فحسب، بل اسدال الستار بلا أدنى محاسبة أو حتى تأنيب ضمير لأبطال المحرقة العبثية.
الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى