أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

ضابط مخابرات أمريكي يكشف تفاصيل إغتيال جون قرنق

ادعى ضابط سابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA استغلت برنامجا للعمليات السرية حول العالم، أعد بعد 11 سبتمبر/أيلول، بغرض ملاحقة الإرهابيين، لتصفية شخصيات سياسية كانت أهدافها تتعارض مع المصالح الاقتصادية والعسكرية للإدارة الأمريكية، ولم تكن معادية للولايات المتحدة.

وقال وين مادسن، الضابط السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، إن برنامج Worldwide Attack Matrix، والتي يمكن ترجمته حرفيا بـ”مصفوفة الهجوم العالمي الشامل”، أتاح للاستخبارات الأمريكية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، والنائب الأول لرئيس الجمهورية في السودان، الدكتور جون قرنق، ومسؤول جهاز الأمن في القوات اللبنانية، إيلي حبيقة، وشخصيات سياسية أخرى في إفريقيا وآسيا، خصوصا في باكستان.

وإذا كان الحديث عن البرنامج ليس جديدا حيث تناوله الصحفي الأمريكي الشهير بوب ودورد في سلسلة مقالات نشرت في الواشنطن بوست عام 2002م، والتي أثارت ضجة كبيرة حينها، إلا أن الجديد هو الكشف عن أسماء شخصيات شرق أوسطية قدمها “وين مادسن” على أن خطة اغتيالها جزء من البرنامج.

وأكد مادسن، الذي يدير حاليا، موقع “وين مادسن ريبورت” الأمريكي في واشنطن، في تصريحات خاصة لـ”العربية.نت” بأنه واثق كل الثقة في المعلومات التي نشرها على موقعه، كاشفا النقاب عن مصادر معلوماته، بالتشديد على أنها مصادر من داخل الاستخبارات الأمريكية وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن القومي الأمريكي، ووكالة المخابرات المركزية، فضلا عن وزارة الدفاع.

وأجاب مادسن بتاريخ 14 مايو/ أيار 2005 عن سؤال حول مصادر معلوماته بالقول لمؤلف الكتاب : “كل ما ‏استطيع قوله إن هذه المصادر فرنسية وبلجيكية ولبنانية أما التصريح بالأسماء فيعني وضع ‏هؤلاء الأشخاص في دائرة الخطر الكبير في أوروبا ولبنان”.

وبعد يوم واحد قال مادسن: “استطيع أن أقول لكم ان مصادري هي ضباط استخبارات لبنانيون مسيحيون ومسلمون والاستخبارات ‏الفرنسية الخارجية والاستخبارات العسكرية البلجيكية، وهناك أيضا من عمل لصالح المخابرات ‏المركزية الأمريكية”.‏

ويذكر وين مادسن في تقريره أن مشروع Worldwide Attack Matrix الذي أسسه مدير الاستخبارات المركزية جورج تينت عقب أحداث سبتمبر 2001، تم استخدامه في تصفية المعارضين للسياسة الأمريكية ومشاريع بوش – تشيني الاقتصادية في مجال البترول والغاز.

وشبّه مادسن مشروع “ماتريكس” بـ”دراما جيمس بوند العميل 007″ وخاصة حلقة الترخيص بالقتل وبالتالي تحول إلى برنامج مخصص لقتل الإرهابيين بصرف النظر عن مكان عيشهم وتصفية قادة وشخصيات يتمردون عن السياسة الأمريكية والمصالح الاقتصادية للإدارة الأمريكية ولا يشكلون أي تهديد على الولايات المتحدة”.

ويشار إلى أن كل عمليات “ماتريكس” مدرجة في تقرير سري يصف العمليات السرية ضد الإرهاب في 80 دولة في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا بعد أحداث سبتمبر 2001.وكان أول من كشف عنه في حلقات الصحافي الأمريكي بوب وودورد في الواشنطن بوست في 2002 وتتراوح أعماله بين الدعاية الاعلامية إلى عمليات موت سرية تحضيرا لهجوم عسكري، وذكر وودورد آنذاك أن هذا البرنامج يعطي CIA أقوى سلطة مخيفة ومميتة في العالم.

وقال وين مادسن عن اغتيال الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السوادن ونائب الرئيس السوداني،  إنه” قتل أيضا رغم أنه كان حليفا للولايات المتحدة وذلك في حادث تحطم مروحيته بعد معارضته لخطط أمريكية لتأسيس شركة بترولية في جنوب السودان وتم قتله بمساعدة الرئيس الوغندي يوري موسفيني، النصير لإدارة بوش”.

قائد في الجيش الشعبي يكشف ملابسات اغتيال قرنق

وعلى الرغم من أن عددا من المراقبين والمحللين لا يجنحون لـ”نظرية المؤامرة”، ويعتبرونها مبالغات لا ترتكز لأسانيد على الأرض، إلا أن الفرضيات التي يطرحها بعض الذين يتهمون جهات غربية، وخصوصا استخباراتية، بعمليات قتل وتصفية، في الشرق الأوسط، أو إفريقيا، أو أية بقعة أخرى حول العالم، تبقى بنظر آخرين غير مستبعدة، في إطار صراعات المصالح والنفوذ.

ويحاجج متبنو الرأي الأول، بأن حادثة مقتل قرنق مثلا، خلص التحقيق بشأنها، من قبل خبراء، إلى خلل فني بالطائرة التي كانت تقله. ويرى هؤلاء بأن قرنق كان حليفا قويا للولايات المتحدة، وأن واشنطن خسرت بمقتله أضعاف ما خسر الآخرون. ويعتبرون أن المعلومات المطروحة حول “اغتياله” تعوزها الدقة والأدلة، وتتجاهل حقائق رئيسة، مثل الحقائق التي طرحتها لجنة التحقيق.

ويعتبر عدد من المحللين أن ملف قضية مصرع قرنق قد طوي، بالنتيجة التي آل إليها التحقيق، وليس ثمة مجال للتشكيك في الخلاصة التي قدمتها لجنة تضم خبراء دوليين. وربما لا يدعم الكثيرون رؤية مادسن، وافتراضه اغتيال قرنق، لكن آخرين يعتبرون أن الاحتمالات تبقى مفتوحة بهذا الشأن.

اتهامات وين مادسن، عضدها المقدم هاشم بدر الدين، قائد القوات الخاصة، أقوى وحدات الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة الدكتور جون قرنق، وهي القوات التي انتقى قرنق من وحداتها، عناصر شكلت فريق الحماية الخاص به.

ولخص بدر الدين في سياق حديثه لـ”العربية.نت” الأسباب التي تدعم اتهامه للأمريكيين باغتيال النائب الأول للرئيس السوداني، في المصالح النفطية التي قال إنها أمريكية صرفة في السودان حاليا، بعكس المعلن بأن الشركات العاملة في السودان، كندية وصينية وماليزية، مؤكدا أن الأمريكيين وراء كل هذه الشركات، كاشفا النقاب عن معلومات جديدة بهذا الخصوص.

وقال بدر الدين، إن النفط، والشكوك المحيطة بتوجهات قرنق الفكرية كـ”شيوعي”، والكاريزما والقدرات التي يتمتع بها، وكانت لتقلب المعادلات كلها في السودان، التي يسعى الأمريكيون للإبقاء عليها وعلى الحكومة عليها، إنما بتعديلات “طفيفة”، بالإضافة لمراوغته الأمريكيين، والتفافه على ضغوطهم، كلها أدت لاغتياله في نهاية يوليو 2005.

وعلى الرغم من أن بدر الدين لا يملك أدلة على الأرض فيما ذهب إليه، إلا أنه أكد بأن الأمريكيين سبق أن هددوا قرنق أثناء مفاوضات السلام السودانية في ضاحية مشاكوس الكينية. بدر الدين، الذي أحتفظ بمنصبه الرفيع في الجيش الشعبي إلى ما بعد مجيء قرنق إلى الخرطوم، كان مقربا جدا من زعيم الحركة الشعبية الذي لقي حتفه في تحطم طائرة تابعة للرئاسة اليوغندية أثناء انتقاله من كمبالا، مرورا بعنتيبي (يوغندا) إلى نيوسايت (جنوب السودان).

لجنة التحقيق: أخطاء فنية أسقطت الطائرة

حادثة مقتل قرنق، التي أحاط بها غموض شديد، وشكل الرئيس السوداني لجنة للتحقيق بشأنها، انتهت قبل شهور إلى أن أخطاء فنية قد أدت إلى تحطم المروحية، كانت قد حظيت بجدل واسع، بدأ بأرملته، ربيكا، التي قالت لجوناثان كارل، كبير مراسلي قناة ABC: “إن الحوادث مقدر لها أن تقع، ولكن حادث طائرة قرنق كان غريبا ومثيرا”، واضعة الكثير من علامات الاستفهام بقولها: “كانت الأحوال سيئة، ولكنها لم تكن بذاك السوء الذي يحطم تلك المروحية العسكرية”.

وختمت حديثها لكارل بتساؤل: “أريد أن أعرف ما جرى داخل الطائرة، وهل هو خطأ ميكانيكي حقاً؟. وكانت اللجنة الفنية الدولية التي تضم خبراء سودانيين ويوغنديين وكينيين وأمريكيين قد فحصت موقع تحطم المروحية ونقلت صندوقها الأسود إلى يوغندا وروسيا والولايات المتحدة لتحليله. وبعد سلسلة من التحقيقات أكدت اللجنة أن الأخطاء الفنية أدت إلى تحطم المروحية.

ويبدو، أن ربيكا قرنق، ليست وحدها التي تشعر بشكوك عميقة حيال الحادثة، فكبير خبراء التحقيق، بدوف تبرمورازوف مدير الأمن التقني للجنة انترستيت للطيران في موسكو، لم يتوان عن التأكيد بأنه “لم تكن هناك مشكلة فنية في المروحية نفسها، المروحية كانت سليمة، والمحادثات الصوتية بقمرة القيادة كانت عادية حتى لحظة تحطم الطائرة”.

كما أن المحادثة التي رصدت في كابينة القيادة بين قائد الطائرة وبرج المراقبة لم تحتو على أية اشارة لمشكلة تقنية حتى لحظة تحطم الطائرة. لكن تقرير اللجنة الدولية، قال إن الطائرة كانت مليئة بالوقود أكثر مما يجب في أثناء تحركها من عنتبي (يوغندا) إلى نيوسايت (السودان).

قرنق كان قلقا ومتعجلا لوصول نيوسايت

وأوضح التقرير بأن قرنق كان قلقاً ومتعجلاً لوصول مقره في الجنوب نيوسايت. وكان سراج الدين حامد، مقرر اللجنة الوطنية للتحقيق في حادث تحطم طائرة قرنق، كشف للصحافة المحلية في 27-10-2005 عن اختفاء بعض أجهزة الطائرة المهمة من موقع تحطمها.

وقال حامد إن من بين الأجهزة المختفية جهاز يوضح إن كانت الطائرة مزودة بجهاز للخرائط أم لا ويوضح مدى ارتفاعها عند وقوع الحادثة. وأضاف بأن اللجنة المعنية التي زارت موقع الحادثة لأول مرة صورت كل أجزاء الطائرة بما فيها الأجهزة التي اختفت. وألمح مقرر اللجنة الوطنية إلى أن “الجانب اليوغندي يسعى إلى إرباك عمل لجان التحقيق لأسباب غير معروفة”.

ليس هذا فحسب، فخبير أمني سوداني بارز، هو العميد حسن بيومي، كان قد أكد لصحيفة “رأي الشعب” السودانية، بأنه يرى أن قرنق قتل بواسطة “سيناريو” استخباراتي عالمي خطير. وقلل بيومي وقتذاك من احتمال توصل لجنة التحقيق المكلفة البحث في حادثة تحطم طائرة قرنق لأية نتائج، لأن، بحسبه، ليس من السهل التوصل لنتائج أو أي خيط اتهام لأية جهة، ملمحا إلى دقة العمل الاستخباراتي في مثل هذه الظروف.

ويؤكد المقدم هاشم بدرالدين قائد القوات الخاصة في الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذي قاده جون قرنق طيلة 20 عاما، بأن اغتيال جون قرنق بواسطة الأمريكيين “ليس سرا” في أوساط الحركة الشعبية. ومضى للقول إن قيادات الحركة تمتنع عن الإدلاء بأية أحاديث حول الأمر، إما “خوفا” أو “لرغبتهم في الحفاظ على مصالحهم الخاصة”.

قرنق “الشيوعي”.. ليس موثوقا به في واشنطن!

ولفت بدر الدين إلى أن الحركة الشعبية سعت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وسقوط نظام الرئيس الإثيوبي السابق، منقستو هيلا مريام (شيوعي) في 1991، إلى التقارب مع الغرب. وكان منقستو يوفر غطاء لقرنق. محاولات قرنق للتقارب مع الغرب، التي بذل فيها السياسي السوداني البارز، بونا ملوال، جهدا كبيرا، اصطدمت برغبة أمريكية في إجراء تغييرات داخل الحركة، لذا “هم شجعوا الانقلاب الذي قاده القائدان في الحركة الشعبية، رياك مشار، ولام أكول ضد قرنق”.

وأوضح بأن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أذاعت أنباء عن الانقلاب قبل وقوعه مطلع التسعينات، ما تسبب في إفشاله. وقال بدر الدين في افادات لـ”العربية.نت” إن الأمريكيين كانوا ينظرون لقرنق باعتبار أنه “شيوعي”، الأمر الذي دعاه لتجاهل علاقته السابقة الوطيدة بالرئيس الكوبي فيديل كاسترو، بل والتغاضي عن توقيع أي اتفاق ثنائي مع الحزب الشيوعي السوداني، على الرغم من أنه وقع اتفاقات مماثلة مع أحزاب وقوى سودانية أخرى، بغرض إبعاد “شبهة الشيوعية” عن نفسه.

وبخصوص المصالح النفطية التي يرجح أن تكون من أقوى أسباب قتله، أكد بدر الدين، أن الشركات الكندية (تاليسمان)، والماليزية (بتروناس)، والصينية (الشركة الصينية للبترول)، التي تديرها بالأساس حسب قوله، رؤوس أموال أمريكية، كانت قد عرضت على قرنق منتصف التسعينات، عقودا تحصل بمقتضاها على نسبة 95%، فيما تحصل الحركة الشعبية على 5%، الأمر الذي رفضه قرنق.

وتفاجأ قرنق – يقول بدر الدين – بأن الخرطوم وافقت على توقيع هذه العقود مع الشركات ذاتها، ما يعني غالبا أن النسب بقيت على حالها، وفي هذا “إجحاف على الشعب السوداني” بحسبما كان يرى قرنق. وجرى دعم الخرطوم من قبل واشنطن للسيطرة على مناطق انتاج النفط في الجنوب، وقدمت تسهيلات في هذا الجانب، خصوصا بتزويد الحكومة السودانية بصور الأقمار الاصطناعية عن تحركات الجيش الشعبي في تلك المناطق.

ويشير بدر الدين إلى أن بروتوكولات مشاكوس حول قسمة السلطة والثروة، أكدت على إبقاء عقود النفط سرية، بضغط أمريكي. بروتوكولات مشاكوس – يقول بدر الدين – تلزم الحركة الشعبية بتعيين 4 أشخاص فقط من ناحيتها ليس من ضمنهم جون قرنق للاطلاع على عقود النفط، شرط أن يوقعوا على وثيقة تجبرهم على إبقاء المعلومات سرية.

عملية عسكرية كبيرة في شرق السودان

وقال بدر الدين إن الأمريكيين كانوا يسعون للضغط على الحكومة السودانية من أجل توقيع اتفاق السلام، والإبقاء على النظام القائم، إنما بتعديلات طفيفة. لكن قرنق وفقا لبدر الدين، أربك الحسابات الأمريكية، بعد الاستقبال الحاشد الذي حظي به لدى عودته للخرطوم، وتوضح أن حركته تتمدد شمالا، وأضحت شعبيته حتى في أوساط الشماليين في تزايد كبير.

ويؤكد القائد البارز في الجيش الشعبي بأن الأمريكيين ساعدوا قرنق قبل توقيع “مشاكوس” على نقل 15 ألف جندي من الجنوب إلى شرق السودان، بهدف الضغط على الخرطوم، وإرغامها على التوقيع. ويشير إلى أنه كان شاهدا على الأحداث، إلى جانب القائد في الحركة الشعبية، فاقان أموم، الذي جهز قواته لاجتياح مدينتي كسلا وخشم القربة الاستراتيجتين (شرق السودان).

وجزم بدر الدين بأن خطوة احتلال المدينتين لو تمت، كانت ستقضي على الحكومة السودانية، لكن الأمريكيين اكتشفوا تحركات الجيش الشعبي باتجاه كسلا وخشم القربة بواسطة الأقمار الاضطناعية، فمارسوا ضغطا هائلا على قرنق، الذي هاتف بدوره، قائده في المنطقة، فاقان أموم، فأبطل العملية العسكرية الكبيرة.

وقال بدر الدين، إن أهداف الأمريكيين كانت تتكشف يوما بعد آخر، برغبتهم في الإبقاء على الحكومة السودانية، لتخدمهم في مجال مكافحة الإرهاب، وتحافظ على مصالحهم النفطية. وذهب للقول إن قرنق على الرغم من رضوخه للضغوط الأمريكية، إلا أنه كان يراوغ، إلى الدرجة التي جعلته بنظرهم عامل تهديد لمصالحهم، وقائدا بإمكانه أن يطيح بالحكومة السودانية، ديمقراطيا.

وبعد اتفاق السلام، زادت شكوك الأمريكيين في قرنق، خصوصا أن ضباطا كبارا بالحركة الشعبية، أمسك عن ذكرهم، كانوا يكاتبون الأمريكيين عبر وسطاء إيقاد (الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا، التي رعت مفاوضات السلام السودانية)، أثناء المفاوضات، شارحين أن قرنق “ليس جادا في السلام”.

الأمريكيون هددوا قرنق !

وقطع بدر الدين بأن قرنق تلقى تهديدا مبطنا من قبل الأمريكيين أثناء مفاوضات مشاكوس، بأنه إن لم يوقع، فإن غيره سيفعل ذلك. وأشار إلى أن الأمريكيين رغبوا في توقيع إعلان من قبل الطرفين، الخرطوم، والحركة الشعبية، وقف لإطلاق النار، أطلقوا عليه “وقف العدائيات”. كان قرنق يراوغ حيال الأمر – يشرح بدر الدين -، ما دعا الأمريكيين لتهديده بالقتل، حسبما فهم من العبارة.

ولم يتوان قرنق عن اطلاع بدر الدين على الأمر حين سأله في إريتيريا عن عدوله عن قراره برفض وقف إطلاق النار. قال قرنق إن الأمريكيين هددوه. وفهم قرنق من سياق العبارة أنها تعني قتله، والإتيان بزعيم آخر للتوقيع، إنابة عن الحركة الشعبية.

وأشار بدر الدين إلى أن ضغوطا أمريكية كثيرة مورست على قرنق، منها تلقينه رفض مشاركة علي عثمان محمد طه (النائب الثاني لرئيس الجمهورية، حاليا) في مفاوضات السلام.

وقال “إما هم أو المصريون، كانوا رافضين فكرة مشاركة طه في المفاوضات”.

وأوضح بدر الدين بأن صحافية مصرية تعمل لفائدة محطة تلفزيونية مصرية، سألت قرنق في واشنطن عن رأيه في اتفاق الرئيس المصري حسني مبارك، ووزير الخارجية الأمريكي (آنذاك) كولن باول، على “دولة سودانية موحدة”، فأجاب قرنق بأن هذا شأنا سودانيا محضا، لا للأمريكيين أو المصريين أن يقرروا ذلك.

فسألته الصحافية المصرية: “ألا تخشى مصير سافمبي؟”. وسامفمبي، هو جوناس سامفبي، الزعيم الأنغولي الذي اغتيل إثر رفضه اتفاقا للسلام في بلاده. هنا، تدخل هاشم بدر الدين الذي كان رفقة قرنق، طالبا من الصحافية المصرية إنهاء المقابلة.

اللافت، أن قرنق، كما يقول بدر الدين، أشار بعد خروج الصحافية، إلى أن الأمريكيين، عكس الشائع، هم الذين اغتالوا سافمبي، عن طريق تحديد احداثيات موقعه، من خلال هاتف متصل بالأقمار الإصطناعية، كانت تديره شركة فرنسية، زودت الأمريكيين بالمعلومات.

تساؤلات حول الدور الأمريكي في التحقيق

وأوضح بدر الدين، أنه كان مفاجئا بالنسبة لهم في الجيش الشعبي، أن الأمريكيين أقحموا أنفسهم في التحقيق بعد تحطم طائرة قرنق، واستولوا على أجزاء من حطام الطائرة، “ما أثار أول علامة استفهام كبيرة” على حد قوله.

وأضاف بأنهم – الأمريكيين – لم يكونوا جزء من لجنة التحقيق، ولم تتم دعوتهم، كما أن الطائرة روسية الصنع. وأشار إلى أنهم في الحركة الشعبية، كانوا يعلمون أن مروحيات وطائرات أمريكية كانت تبحث عن طائرة قرنق، لا طائرات الأمم المتحدة، كما ورد في الأخبار، لأن “الأمم المتحدة، ليس لديها طائرات أو مروحيات في المنطقة”.

“الأمريكيون أرادوا صرف الأنظار عن أنفسهم”. يقول بدر الدين، مؤكدا أن الأمريكيين هم الذين أبلغوا الحركة الشعبية، واليوغنديين بموقع حطام الطائرة. ولفت إلى أن التحقيق لم يسفر عن شيء، بل أن قيادات في الحركة الشعبية، كانت سعيدة بمقتل قرنق، مثل الدكتور لام أكول (وزير الخارجية السوداني حاليا)، لم تكن لها مصلحة في أن يقود التحقيق للكشف عن ملابسات مقتل قرنق.

وقال إن أطرافا أخرى، تابعة للأمريكيين، مثل مجموعة الأزمات الدولية، لعبت دورا مشبوها، بتأكيدها أنها رصدت احتفالات جيش الرب (حركة معارضة يوغندية مسلحة ليست على وفاق مع قرنق)، بمقتل قرنق، للقول إن جيش الرب ضالع في قتله.

توقيت “تصفية” قرنق

وقطع بدر الدين، بأن الطائرة احترقت تماما، ما يعني أن أسباب التحطم لا تعود لخلل فني، فهي إما أن تكون قد ضربت بصاروخ أو بسلاح في داخلها على حد تعبيره. وقال إن قرنق، تجاوز بعد اتفاق السلام، الحدود التي وضعت له، لأن الاتفاق، حرص على “حشر الحركة الشعبية في ثوب الجنوب فحسب”، لكن الأحداث التي تلت عودة قرنق للخرطوم، أوضحت بجلاء، أن طموحاته كزعيم قومي، لم تكن لتحدها حدود.

وعاد بدر الدين ليؤكد أن الأمريكيين يعتبرون الحكومة السودانية حليفا قويا في محاربة الإرهاب، الملف الرئيس لديهم حاليا. وقال إنهم، كما حدث سابقا في أمريكا الجنوبية، لا يملكون استراتيجية بعيدة المدى في إفريقيا، وأن قرنق، ما كان لينجح استراتيجيتهم قصيرة المدى في السودان خصوصا، وإفريقيا بشكل عام.

وحول ميقات مقتل قرنق، قال بدر الدين: “اغتياله تم قبل تشكيل حكومة جنوب السودان، وقصد منه قطع الطريق أمام تعميق رؤى قرنق القومية باتجاهه لتعيين شماليين في حكومته في الجنوب”.

وأكد بدر الدين أن قرنق عرض عليه منصب والي ولاية غرب بحر الغزال (جنوب)، لكنه رفض. وذكّر بأن حكومة الجنوب الحالية التي تشكلت بعد مقتل قرنق، لا تضم أي شماليين، وهذا يخالف الرؤية التي كان يطرحها قرنق.

وقال إن تشكيل حكومة في الجنوب، كالتي كان ينوي قرنق تشكيلها، كانت ستدعم فكرة السودان الجديد، وتجسد منعطفا جديدا و”خطيرا” في السودان، وتصب في اتجاه تقوية طموحات قرنق الشخصية باعتباره زعيما قوميا، لا قائدا للجنوب فحسب.

الخرطوم (كوش نيوز)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى