تحقيقات وتقارير

(الحريق) الذي أنجبه الإطفائي جون بولتون.. هل يقف حجر عثرة أمام الخرطوم؟

لم يخطر ببال الإطفائي إدوارد بولتون أن الابن الذي أنجبه وزوجته فرجينيا -ربة المنزل – في 20 نوفمبر من العام 1948 في بالتمور بولاية (ميري لاند) سيكون سياسياً مثيراً للجدل، يعرف لاحقاً بمواقفه الحادة ومواقفه المتشددة التي أشعلت الحرب في العراق وتلوح بإشعاله في مناطق أخرى واسعة بدءاً من الخليج الكوري وانتهاءً بالخليج العربي بعد أن تم تعيينه نهاية الأسبوع الماضي كمستشار للأمن القومي الأمريكي.. وهو المنصب الذي يتمتع بتأثير كبير على القرار السياسي الأمريكي خارجياً وداخلياً، وسيقوم بمباشرته الأسبوع القادم.

خطورة وجود جون بولتون في المنصب يمكن استشعارها، بما خطته صحيفة نيويورك تايمز، بقولها: الجيد بخصوص مستشار ترمب الجديد للأمن القومي جون بولتون، هو أنه يقول ما يفكر فيه، والسيئ فيه هو ما يفكر فيه.

بولتون والسودان
بولتون المتخرج في كلية القانون جامعة ييل 1970م، عمل محاميا قبل أن يتنقل بين عدة مناصب حكومية، خلال فترة رئاسة رونالد ريغان وجورج بوش الابن، عُرف عنه عدم اللباقة السياسية والتصريحات المتطرفة، ففي العام 1994م أكد بولتون إنه لا وجود لشيء اسمه الأمم المتحدة، بل هناك مجتمع دولي قد تقوده أحيانا الولايات المتحدة باعتبارها القوة الحقيقية الوحيدة المتبقية في العالم عندما يتوافق ذلك مع مصالحنا، وبعد أكثر من عقد رشحه بوش الابن سفيرا لواشنطن في الأمم المتحدة على الرغم من معارضة الكونغرس لذلك.
تزامن وجود بولتون في الأمم المتحدة – أغسطس 2005 وديسمبر – 2006م مع تصاعد الاهتمام العالمي بقضية دارفور في ظل تنافس حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين لتصبح دارفور جزءا من الحملات الانتخابية، مما أسهم في إصدار الكونغرس لعقوبات سلام دارفور؛ فيما دفع بوش بدوره بأمر تنفيذي في ذات الشأن، بينما أظهر بولتون شراسة أكبر ضد السودان، ووصل الأمر به في العاشر من أكتوبر 2005م لمنع المبعوث الأممي خوان منديز من تقديم إحاطات إعلامية إلى مجلس الأمن بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، وقال حينها: على المجلس أن يتصرف ضد الأعمال الوحشية وليس مجرد الحديث عنها. ولم تفلح مناشدات الأمين العام كوفي عنان ورفاقه أعضاء المجلس الـ 11 الآخرين.
وفي إطار حملة التصعيد ضد الخرطوم والتنافس مع الديمقراطيين أظهر بولتون اهتماما بقضايا حقوق الإنسان ليدعو الممثل الأمريكي جورج كلوني لمداولات مجلس الأمن بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور في سبتمبر 2006م وقال بولتون: “كل يوم نؤجله يزيد معاناة الشعب السوداني ويطيل أمد الإبادة الجماعية”. ليسهم في صياغة قرار مجلس الأمن بإرسال 22500 من قوات حفظ السلام إلى دارفور، والضغط على الحكومة السودانية للقبول بالتفويض الجديد عوضا عن بعثة الاتحاد الإفريقي.
ومضى بولتون للمساهمة في فرض مجلس الأمن عقوبات على أربعة سودانيين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور من بينهم موسى هلال، قائلا: “التصويت لفرض عقوبات شكل خطوة أولى مهمة في مجلس الأمن تفي بمسؤولياته بموجب العديد من القرارات المتعلقة بدارفور التي اعتمدها وأنه مستعد لاتخاذ خطوات أكبر لجلب السلام لدارفور”.
بولتون لم يستمر كثير في موقعه الأممي إذ استقال سريعا بعد 16 أشهر باعتبار أن تعيينه جاء بأمر مؤقت دون موافقة الكونغرس، لينطوي على نفسه في إحدى قواعده المحافظة كزميل في The American Enterprise Institute (AEI)  الذي عرف بمعاداته للخرطوم، ويصنف ضمن أروقة الدبلوماسيين بأنه معقل اليمين المتشدد (عش الدبابير).

هل يمكن أن يؤثر على التقارب بين واشنطن والخرطوم؟
ويرى الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء حنفي عبد الله أنه من الصعب أن يقطع بولتون أو رفيقه وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو مسار التقارب بين الخرطوم وواشنطن، مشيرا إلى أن البراغماتية ستخفف من حدته التصادمية، مضيفا: السياسة لعبة مصالح وترمب يمثل مصالح الشركات، لذلك لا أتوقع أن يتم إنهاء ما سبق، صحيح أن بولتون سيظهر مواقف متشددة إلا أنها لن تصل لمرحلة الصدام.
فيما يرى الخبير الدبلوماسي خضر هارون، أن تأثيرات الأفراد في موضوع العلاقات مع السودان قد لا تصل لقطع مسار التقارب لأسباب موضوعية تتعلق باهتمامات أمريكا وعلى رأسها محاربة الإرهاب وإيقاف الزحف الروسي والصيني في المنطقة، مضيفا: مؤسسات مثل وكالة الاستخبارات الأمريكية تدرك جيدا أهمية السودان الإقليمية ودوره في محاربة الإرهاب لذلك دعمت رفع الحظر الاقتصادي عنه، بجانب ظهور لوبيات مساندة للخرطوم لأول مرة مثل (المجلس الأطلنطي) تدعو للتطبيع مع الخرطوم.

المستشار الثالث
عموما وبغض النظر عن مواقفه تجاه الخرطوم، إلا أن تعيينه مستشارا للأمن القومي الأمريكي يعني أنه مساعد للرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، من ثم فهو أحد كبار مساعدي المكتب التنفيذي، ويتم تعيينه مباشرة من قبل الرئيس، ولا يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، ليكون بذلك مستشار الأمن القومي الثالث لترمب خلال فترة 14 شهرا من وجوده في الإدارة الأمريكية، حيث أقال ترمب مستشار الأمن القومي السابق هربرت ماكماستر، لاعتبارات تتعلق بعدم الانسجام بينهما، خاصة بعد نصائح ماكماستر بعدم التخلي عن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، ليحل محله مايكل فلين الذي أقيل بعد أقل من شهر قضاه في المنصب، لتضليله البيت الأبيض حول اتصالاته بالسفير الروسي.

ملفات بولتون
طبقا لرصد (السوداني) أمس، فإن كوريا الشمالية والصراع العربي الإسرائيلي والملف الإيراني، تعد الملفات التي لطالما ركز عليها بولتون في كتاباته وتحليلاته. وفيما يتعلق بالأزمة السورية، فإن مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد يقف ضد الرئيس السوري بشار الأسد ويسعى للتغيير في سوريا، في انسجام مع موقفه الصارم تجاه إيران، إذ يؤيد بولتون بشدة اتجاه ترمب الرامي إلى الانسحاب من الملف النووي مع إيران أو “إصلاحه”، بل الأكثر من ذلك، يدعو إلى استخدام القوة ضد إيران وقلب النظام فيها.
لبولتون أيضا آراء مثيرة للجدل فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث يرى أن حل الدولتين قد مات، بل ويعتبر داعما لنقل العاصمة الأمريكية للقدس أكثر من ترمب نفسه، ويتوقع بعض المراقبين أن يدعم سياسة خارجية صدامية خاصة مع روسيا.
بولتون بشكل عام من المدافعين الشرسين عن استخدام القوة في الساحة الدولية، فهو يعتبر أن أفضل أسلوب للرد على التهديد النووي الكوري والإيراني بتوجيه ضربة استباقية.. أبرز الملاحظات في سياق سيرة بولتون السياسية هي أنه لا يتفق مع الرئيس الأمريكي في كل الملفات، وعلى رأس هذه الملفات حرب العراق التي ساهم بولتون في إطلاقها، بينما عبر ترمب أكثر من مرة عن معارضته لها.

مناطق تماس
بانضمام جون بولتون، لفريق ترمب للسياسة الخارجية سيكون الأخير قد نجح في تشكيل الفريق الأكثر تشددا وأيديولوجية والأقل براغماتية في الذاكرة الحديثة، في وقت تتطلب فيه التحديات على الساحة الدولية الحزم ولكن أيضا مرونة وبراغماتية. ويذهب الخبير الدبلوماسي خضر هارون في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن وصول بولتون للمنصب يمثل تراجعا كبيرا للسياسة الخارجية الأمريكية وسقوطها في يد اليمين المتشدد. ويرى هارون أن ذلك يثير مخاوف واسعة في العالم حتى في أوساط الحزب الجمهوري من مآلات سياسة هذا الفريق المتشدد.

الوضع حاليا
الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء حنفي عبد الله يشير في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن ترمب اختار بولتون للانضمام لفريقه على الرغم من كل التحذيرات لاعتبارات تتعلق بكونه منسجما معه أيديولوجياً، وقادراً على تنفيذ استراتيجيته في المرحلة القادمة، لا سيما في حال المواجهة في إيران أو سوريا أو أي مكان آخر.
بيد أن بولتون في أول تصريحاته بعد تعيينه، طبقا لما نقلته تقارير إعلامية، وصف مواقفه السابقة بأنها وجهات نظر عبر عنها في السابق وباتت من الماضي لأن الأولوية الآن لمواقف الرئيس ترمب، مؤكدا أنه يرى أن أمريكا تواجه حاليا مجموعة واسعة من القضايا، وأنه يتطلع إلى العمل مع ترمب وفريقه لمقاربة هذه التحديات المعقدة، في إطار جهد يهدف إلى جعل أمريكا أكثر أمنا في الداخل وأكثر قوة في الخارج.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه بحسب الخبير الاستراتيجي حنفي هو: كيف يمكن لبولتون صاحب المواقف الواضحة والمعروفة مسبقا أن يؤدي عملا جيدا في منصب يُفترض أن يقدم من خلاله للرئيس الأمريكي كل الآراء والسياسات الممكنة المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي؟
الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى